
قراءة في رواية حجر الألف
الكاتب: عمر سعيد، من لبنان
عدد الصفحات: 277
العنوان ودلالته
سيظل المعنى مبهماً لمن لم يقرأ التاريخ، ويغص في حكاياته وأساطيره القديمة. ولكن الكاتب أماط اللثام عن هذا الإبهام في الصفحة الأخيرة من الرواية حيث كشف أن حجر الالف، هي قصة من الموروث التاريخي الشعبي لبلاد اليمن. وتقول الحكاية بأن والدة الملك، يحيى بن اسماعيل كانت تقطن قصراً بالقرب من جبلٍ تعلوه صخرة كبيرة. استغل بعض اللصوص انشغال الملك في الحرب، وطالبوه بدفع فدية قيمتها ألف ريال يمني والا فإنهم سيدفنون بالصخرة لتقع فوق سكن الوالدة لتقتلها
ربما هدف الكاتب من اختيار العنوان، الربط بين هذه الصخرة المسماة حجر الألف، وصخرة سيزيف، ومعاناته في حملها وإيصالها الى الهدف؛ وبين معاناته الشخصية ومعاناة ابطال روايته في غربتهم داخل حدود الوطن وخارجه على السواء.
أما الاهداء، الذي استهل به الكاتب روايته فيمكن أن يكون أيضاً نافذةً نستطيع من خلالها أن نطلّ على محتوى الحكاية؛ “الى تلك الحقائب التي ظلّت في الطريق “… فلا هي رافقت أصحابها رحلة السفر، ولا شاركتهم فرحة الوصول
ابطال الرواية جميعهم على سفر؛ فبعضهم، هارب من ويلات الحرب في بلده، واّخرون هاربون من واقعهم المرّ داخل المخيمات التي لجأوا اليها، او داخل حدود البلد المضيف
تبدو الرواية للوهلة الاولى وكأنها شهادات حيّة لأشخاص، ومشاهدات، للأحداث الدامية، التي عصفت في سوريا خلال الحرب الأهليّة، في العشر سنوات الاخيرة. وتجدر الملاحظة بأن عمر سعيد كتب روايته بنكهة “جاحظية” لا تخلو من بعض الاستطراد. فكان يتنقل بين العام والخاص؛ من السرد القصصي، إلى اسلوب المناظرة الفكرية أو الأدبية. ومن ثم يعمد إلى سرد معاناته الخاصة، في بلد غريب عنه لايتقن لغته ولا يعرف عادات شعبه، وذلك قبل أن ينتقل بنا إلى التحليل السياسي، لمشكلة من المشاكل التي كان يتعمد أن يثيرها من خلال النص. وذلك لتوضيح فكرة ما أو الإدلاء برأي معين ! فهو كثيرا ما كان يمضي في سرد أحداث خاصة جدا كانت تمتد على صفحات؛ يسرد من خلالها يومياته في اسطنبول، ومعاناته مع الدوائر الحكومية، بغية الحصول على الإقامة هناك. كما ان محاولاته بسرد أدق التفاصيل، عن مشاهداته اليومية في الشوارع، الباعة المتجولون، الكلاب والقطط وأصحابها، وتفاعله معهم، جعلنا أحياناً نظن اننا نقرأ سيرة ذاتية مكتملة العناصر والأركان. وذلك قبل أن يعيدنا فجأة، الى ارض المعارك والحرب الأهلية المشتعلة في سوريا. ويصور لنا بشاعة ما يتعرض له الشعب هناك من حوادث قتل وتعذيب واغتصاب؛ وعلى لسان أشخاص لا نعرف ان كانوا يدلون بشهادات حية، أو أنهم شخوص ابتدعهم خيال الكاتب ليجسدوا لنا واقع ما كان يعاني المواطنون، من قهر وعذابات، جعلهم يخاطرون بأرواحهم، بهدف اجتياز الحدود التركية هرباُ من الذل والقصف والموت. ومن ثم يعود لينتقل بنا الى أحد مخيمات اللاجئين في (موربا) ويصور لنا معاناة قاطنيه، وعذاباتهم تحت راية وكالات الغوث العالمية، وأعلام الصليب الأحمر المرفرفة هناك.
كل ذلك كان يتم بأسلوب شيق، وجملة متماسكة، سلسة خالية من أي عيب نحويّ، تجعل القارئ يتنقل مع الأحداث مهما تشابكت من غير أن يصيبه تعب، أو ملل.
Hana Ghamrawi