إخلاص فرنسيس
رواية “شوينغوم” للروائي الجزائري د. أمين الزاوي
الصادرة عن منشورات “ضفاف” اللبنانية و”الاختلاف” الجزائرية
العنوان وحده يثير التساؤلات والفضول
الغناء يحرّر كما البارود تمامًا
هل حقًّا التاريخ تكتبه المرأة قبل الرجل ولو بضعفها وتهميشها؟
الحرّية امرأة من جسد وأحلام وغناء
الفنّ مغامرة كالثورة تمامًا، الفنان يحمل لعنته في أنفاسه
الثورة لها منطقها يا بني، يا هامان، الثورة جشعة قد تأكل أبناءها بنهم
الصراعات النفسية، التناقضات التي يعيشها الإنسان مدى حياته
هل الحياة هي الشوينغوم؟ في البداية والمذاق الحلو ثمّ تصبح قطعة مطاطية لا طعم ولا رائحة لها، نلوكها حتى الممات، أم أنّنا نحن الشوينغوم بين فكّي الحياة التي تطحننا برحاها التي لا ترحم، وليست الحياة بل من الآخر الذي يشاركنا هذا المسرح الكبير، ونتقاسم معه كلّ الأشياء ما عدا الإنسانية
لقد أسهب الكاتب في تطويع المفردات والمعاني لتخدم غرضًا ما في نفسه، مواربة فذّة، ولفيف من الشخصيات التي يحمل كلّ منها رسالة مميزة عن الأخرى
ليست هناك جملة واحدة في غير محلّها أو لا تحمل في طياتها شيئًا، أراد الكاتب أن يوصله للقارئ، لقد أمسك ذراع الماضي، ووضعها في كفّ المستقبل، كما مزج ما بين النصّ الديني والأسطورة، موظّفًا كليهما في حاضرنا
حتى المطر المنهمر موسيقاه
لقد كان المطر الشخصية التي لم تغادر الرواية، والموسيقا التصويرية التي تعمل على إضفاء الجو الحميمي والتخفيف من وطأة الأحداث، هذا الجانب الرومانسي للكاتب الذي عشق الموسيقا، وسرد الوالد، وندف الثلج، والأقدام المدفونة فيه
معركة الحب
“الجميع خونة، من بينهم أبي، عشاق أنذال، الحبّ يتطلّب النضال أيضًا. المرأة معركة، معها ولها وعليها ولأجلها”. من هي المرأة هنا؟ ومن خانها؟ عن أيّ وطن يتكلّم؟ أليست المرأة هي الوطن؟ الحبّ لا يحتمل الخيانة، والأوطان لا تحتمل الخيانة. لقد فقدت قريته اسمها الأصلي، وسمّيت (صفية عمران). من هي صفية عمران، وما هي القرية؟
رواية انعكاس حقيقي للنفس البشرية بما تحملها من صراعات داخلية وتناقضات، ويبدو أنّ البطل لم يكن متصالحًا معها، لأنّ فكرة القتل بدأت من البداية إلى النهاية، ولم يستطع التخلّص منها، وكانت كالخبز اليابس الذي عليه أن يزدرده بصمت ودون ماء كي يمرّ نهار آخر له على قيد التناقضات
هل تلد المرأة الرجل من جسدها، ويلدها هو من فكره؟ هل المرأة وليدة تصورات وخيالات وأحلام وأفكار الرجل؟ يبتدع الصورة التي يرغب فيها، يخلعها على من حوله، حقيقية جدًّا بالنسبة إليه، يقتلها إن لم تنصع لتشكيلاته متى شاء
معالجة النقص العاطفي في المجتمع الشرقي، فالأب لا يدلّل، ولا يظهر الحبّ لأطفاله، ولا الطفل يستطيع أن يبادر، ففي ذلك ضعف، العواطف فقط للنساء؟
مع هذا نرى الوالد يهيم حبًّا وعشقًا بصفية
مسيكة الرومية، التمثيل ليس على خشبة المسرح بل حياتنا كلّها مسرحية كبيرة، وحين نعتلي الخشبة يحرّرنا الفنّ من كلّ القيود، تسقط الأقنعة، ونكون نحن
الناس يخافون الحقيقة، لهذا يرتدون الأقنعة، مسرحية من ساعة ونصف ما هي إلّا مسرحية حياة كاملة. ما هي اللحظة التي أراد لنا الكاتب أن نمعن النظر فيها، ونلتقطها، لتسقط الأقنعة، أيّ قناع يجب على الإنسان بشكل عام والكاتب بشكل خاص أن يتخلّى عنه ليكون هو؟ لقد ركّز الكاتب على جملة (هَيتَ لَكَ) التي تكاد لا تخلو صفحة من الرواية إلّا وذكرت فيها، وكأنّها تلك اللحظة التي يجب أن نقف عندها، ونتأمّلها. الإسقاطات كثيرة، وكلّ منّا له لحظته وصنمه وانطلاقته، لينطلق حرًّا إلى عالم المطر والأرصفة والتحرّش
هذا هو عالم الضياع، المرأة هي العنصر الرئيسي في الرواية، منها تلك الأسطورة التي تتناقل بين المجتمعات، ومنها المرأة التي صورها التاريخ، ومنها المرأة المستسلمة، الكلّ يدور في فلكها، وكأنّها هي من تدير دفّة الحياة
إنّ واقع المرأة في هذه الرواية لا يختلف عن الواقع الحقيقي المعيش
لقد استطاع الكاتب بمهارة امتصاص كلّ ما حوله وكأنّه إسفنجة، وأعاد تدويره وصياغته في قالب روائي سردي، يشدّ القارئ من بداية الرواية حتى النهاية، محافظًا على وحدة الموضوع ، ويمكن لكلّ قارئ أن يرى جزءًا من واقعه فيها
ما هدف الأدب، ولماذا نكتب، أو نقرأ الرواية؟ هل نقرأ فقط للمتعة، أم هو كشف لواقع نعيشه، يسلّط الكاتب الضوء عليه محاولًا الكشف عن كّل ما يدور حولنا، ومن هنا يستطيع الكاتب أن يكشف كلّ العيوب المجتمعية كي يساعدنا على فهم ما يدور حولنا بأسلوب سلس مشوق، ويسهم في نقل الإنسان من خلال رسائل توعوية أخلاقية دينية وسياسية وغيرها، إضافة إلى التاريخ الذي يكون أصدق في الروايات منه من كتب التاريخ. كلّ رواية نقرأها تولّد فينا أسئلة، هل هو الكاتب المتخيّل فقط، أم هو جزء من هذا النصّ؟ وما مدى صلة النصّ بالآخرين والعالم من حولنا؟
الكاتب عارف بكلّ ما يجري حوله، باحث وممحّص وملخّص للحاضر والماضي، المخرج الذي يحرّك الشخصيات، يرسم الأدوار، يقودهم كي يؤدّوا الدور الذي يريد أن يسلط الضوء عليه. سارتر وسيمون دي بوفوار وألبير كامو أيضًا من الشخصيات التي وظّفها الكاتب بمهارة كي يكشف لنا خبايا الإنسان ونفسيته المعقّدة، ارتكاب الجرائم وتبريرها فلسفيًّا وطبقيًّا وسياسيّاً، من هي مسيكة التي تتغنّج أمام الغرب الأوربي والأميركي والجزائري؟
رواية تاريخية بامتياز، سلّط فيها الكاتب الضوء على مرحلة لم يتطرّق إليها الكتّاب من قبل في تاريخ الجزائر، عملت على تشكيل الوعي السياسي الجزائري في فترة ما، واجتماعية بامتياز، تتجلّى فيها الأبعاد النفسية للإنسان، معاناته بين الموروث والمعيش، تمزّق الفرد في ازدواجية المجتمعات، العادات والتقاليد، الدين والأسطورة، ورفض الآخر، كلّ هذا يدور في عالم المرأة حولها وبها ومنها
الرواية عبارة عن سير شخوصها داخل سيرة الخالة صفية، كلّ واحد من الشخصيات يسرد حكاياته، ولكن حكاية هامان هي الرابط بين كلّ الحكايات، وكلّ شخصية تمثّل شريحة من المجتمع الذي هو مسرح الرواية
“الطيور شفافة وهشّة مثل النساء
إلى ربيعة ولينا، إلياس وأربيل هزار وزاهيل أنتم مملكتي.”
الرواية استدعاء الجزائر أيام الاستعمار الفرنسي، مقارنات بين المجتمعات، التسلية التي أسكت فيها المحتلّ أصواتنا بعلكة لها رائحة جميلة، وأصبحت الأفواه تدور على لا شيء، مضغ الهواء والسكون على الأسوار، لا عمل ولا كفاح، انشغلوا عن أنفسهم بعلكة شوينغوم، وصفية شغل الناس وحديثهم، حتى رجال الدين أفتوا لصالحهم
سيرة غيرية تبدأ بمثل شعبي، وكلمات الأمّ
سيرة في زمن الأمريكان عندما نزلوا بشواطئ وهران
الأسماء أقنعة فقط، الإنسان سابق لاسمه
صفية
رمزية الأسماء
الرجل الذي قتل الصبح
متى تنتفض الممثّلة، وتقتل يوسف، وتأكل كبده ؟
هل هناك إسقاطات؟
المرأة الوحيدة القدّيسة هي الرومية
الإحساس بقتل أخيه، هل هو قايين وهابيل؟
الرواية مليئة بأسماء ورموز وإشارات
نحن أمام كاتب مثقّف جدًّا، يطرح فكرة معيّنة، تاركًا لنا مهمّة التفكيك، كلّ حسب تصوره مثيرًا قضايا مجتمعية من الواقع الذي من خلق الكاتب نفسه
المرأة، الذبح، السلطة
هي ملخّص للحالة العربية، للثقافة العربية، سيرة غيرية، فضفضة. هل يتكلّم الكاتب عن معضلة التدين، أم عن الصدمة النفسية في صفية، لأنّها كانت تعتبر طاقة شفاء؟ من هي صفية؟ لم يتصوّر أبدًا أن يصدر منها هذا النوع من الذبح دون تفسير، هل هناك أزمة دينية، أم سياسية؟ التطرّق إلى أول جريمة في التاريخ بين أفراد الأسرة الواحدة، قايين وهابيل، والإحساس بقتل أخيه الذي رافقه منذ الطفولة وفي جميع مراحل الرواية، التناقض بين ما رُبّينا وما كبرنا عليه، مأساة الديك، مكرّرة أكثر من خمسين مرة بالتفاصيل والكلمات نفسها. صفية فتحت منقار الديك، وسحبت لسانه إلى الخارج، أنا الديك المذبوح، من هو الديك يا ترى؟ هل هو الإنسان المذبوح بالفكر؟ وأيّ فكر؟ فكر الانفصام في المجتمع، حيث يقبل بالدعارة والخمر وتجارة العبيد، وبكلّ موبوءات الإنسانية، والآخر هو عدوّها، يأتي على قبور الأفارقة، يقوضها، مظهراً الكاتب أزمة التعايش، حتى لو كان في القبر، وقادر على أن يغيّر الفتوى مانحًا نفسه حقوقًا في كلّ لحظة
استدعاء الموروث الديني ومساءلته بكلّ جرأة، هند التي أكلت كبد حمزة
دور المثقّف الذي يتكلم الفرنسية يحكي عن التوازن السياسي بين الأمريكان وتوازن القوى في الحرب، بينما فتوى القرية تقول عن هتلر إنّه أتى من خدمة إلهية، وفي الإسلام السياسي، يجوز مضغ اللبان في رمضان، الفتاوى الدينية يمكن أن تتغيّر حتى في صلب الممارسات الدينية، وخلق الأساطير حول المرأة من العقل الجمعي، تطرّق إلى قضايا في غاية الحساسية، إتاحة المرأة من أيّ دين للمسلم، وتحريم نسائهم على الآخر، استدعاء قصة العقاد وحبّه لمي، وغلطته وسقطته في أنّه لم يستطع تحويلها للإسلام، إلى المثقّف راكب الدراجة الهوائية، الصراع الاستعماري، الفاشستية والأمريكان، الاحتلال الألماني للقرية
الصراع الدموي عالق في ذهن الكاتب بطريقة غريبة، قصة قرية يمكن إسقاطها بكلّ ما فيها من متغيّرات سياسية واقتصادية، على مجتمع متكامل أو أمّة كاملة
لقد أبدع الكاتب في خلط الزمن بطريقة غريبة جدًّا، فترة الأربعينيات، وفجأة انتهت في تفجير المسرح في العصر الحديث، الكاتب يمكن أن ينهي هذا الصراع بتفجير نهائي، قد تكون هناك بداية أسلم من الحياة التي مرّت في الرواية
الرواية مليئة بكلّ الممارسات: القتل، عقدة الذنب، ارتكاب جريمة، وليس هناك تفسير لذبح الديك، الديك هو الكاتب المنبوذ المذبوح دون ذنب، قتل بكلّ غباء، هناك ذبح دائم، تكرار للموت، فالموت هو المرادف للجنس، الاستشهاد والحوريات، ربما، موضوع الرواية التي بدأ به هو قصة يوسف ولحظة الإغواء، هذه هي اللحظة التي ينتظرها المشاهد، أي المجتمع كلّه ينتظر، قصّ الضفائر، انهيار أمّة. من هي هذه الأمّة التي انهارت؟ ، التخلّف يمنع الطبّ، ذهاب المرأة عند طبيب رجل، وفي الوقت ذاته يعيش في الدعارة، الازدواجية في المجتمع، الدين، الإغواء، الفتاوى، الجواري والغلمان، هدم بيوت العبادة، انتهاء بتفجير المسرح
رواية انعكاس حقيقي للنفس البشرية بما تحملها من صراعات داخلية وتناقضات، ويبدو أنّ البطل لم يكن متصالحًا معها، لأنّ فكرة القتل بدأت من البداية إلى النهاية، ولم يستطع التخلّص منها، وكانت كالخبز اليابس الذي عليه أن يزدرده بصمت ودون ماء كي يمرّ نهار آخر له على قيد التناقضات
بعض الصور من اللقاء حول رواية شوينغوم
غرفة 19
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران
- فيروز امرأة كونيّة من لبنان -بقلم : وفيقة فخرالدّين غانم
- سلطة الدجاج بالعسل والخردل