رواية مؤلفة من ٣٥٦ صفحة
للكاتب الجزائري واسيني الأعرج
كتبَ الراوي فصولاً من حياة الأديبة اللبنانية مي زيادة.
جعلَ الكاتب من فصول روايته خريطة للدفاع عن الكاتبة مي زيادة والتي وُضِعَت مُرغمة في العصفورية أي مصحّ للمجانين.
قرأنا عن حياة مي منذ الطفولة بين الفريكة والناصرة حيث تتناغم أجراس الكنائس وتصدح آذان المعابد. إبنةٌ في عائلة تُحِبّ القلم، والدها صحافيّ له باع في عالم الكتابة.
بعد موت أخيها أُُصيبت بالحزن ومن ثم توفيّ والدها ووالدتها، وبقيت وحيدةً في الناصرة.
كتبت لابن عمّها الدكتور جوزيف زيادة ليأتي لنجدتها وبعد عودتها إلى لبنان، وضعها في العصفوريّة، للسطو على ميراث أهلها في كل مكان. سلّمت نفسها لجوزيف سندها المُتبقّي. هي التي كانت تُحبّه وهي صغيرة ووعدها بالزواج لكنّه سرعان ما تخلّى عنها وتزوّج من امرأة فرنسية ساعدته ولو تكبره بأعوام. حبيبٌ مرّ كالغيمة وانسحب كالظّلّ تاركًا في قلبها رماد اللوم والخيبة.
عاشت اليأس والحزن وحيدة، حتى أصدقاء مي تخلّوا عنها وكان منهم الكبار في عالم الأدب. كانت مي معشوقة الجميع، المرأة التي تفعل مع الرجل كل شيء، إلّا أن تنام في حضنه، لأنّها المرأة المثقّفة التي لا تنفع الرجل في الفراش. مُسيّجةٌ هي بممنوعات التربية لا تعرف أن تُخادِع في عواطفها.
فقدت مي الحبيب وفقدت أهلها وحتى جبران حبيبها أرادها مجرد رقم في حديقة بالرغم من أكثر من ١٦ عامًا من الحبّ والعشق.
قاومت بالكتابة كي لا تموت قهرًا بعدما جرّدوها من كل شيء حتى من عقلها. عاشتْ وحيدةً عاقلة بين مجانين أغبياء، لا نصير لها في عالم الخوف والصمت، سكنها الوحدة والغربة غطاؤها.
كل الذين أحبّتهم تحوّلوا إلى تُجّار قُساة القلوب تركوها ورقةً وحيدةً في مهبّ الرياح لا يسمعُها سوى قلبُها المُتعَب.
هشاشتُها مصدرها الحبّ، عصفورة الندى كتبتْ بين الأرض والسماء بلا حواجز، بنت لها أجنحة المُقاومة.
مي امرأةٌ مُقبلة على حياةٍ عاصِفة لا اعتذار فيها عن حقائق مُزيّفة.
في سكون الليل بدت الأضواءُ مشتعلةً بالصمت.
كانت مي من أوائل الذين فتحوا صالونًا أدبيّاً في ذلك الوقت. سابقة عصرها في عدة مجالات وخاصة في الدفاع عن حقوق المرأة وحرّيتها في مجتمع الذكوريّة المتسلطة.
قلمٌ ساحرٌ مبدعٌ أخذنا معه في رحلةٍ إلى عالم مي زيادة الإنسانة والكاتبة والأديبة والحبيبة والصديقة.
جعلَ من قلمه سلاحًا للدفاع عن الكاتبة والأديبة، سردَ قصة حياتها عبر ثلاثمائة يومٍ من حياة أديبتنا. لم يكتبْ بسلاح المُدافع فقط بل بسلاح الكلمةِ الفصل في أدب المرأة، في أدبِ أديبةٍ أزاحَ عنه الستارةَ ليُعيد لمي مجدها وعبرها مجد الكِتابة والإبداع عبر قلمِه الرائع الذي يأتي من نور حروف الأبجدية التي تُكتَبُ بفنّ واتقان.
الكاتب الجزائري واسيني الأعرج أعادَ مي إلى النور بعدما دُفِنَتْ حيّة في عصفوريّة الظلم في وطنها.
لم تجد غير سيل القلم وسيلةً للخروج من قفص الظلم الذي وُضِعَت فيه من قبل ابن عمّها والذي أحبّته كقريبٍ وحبيب.
قصة مي عادت كي تتصدّر قائمة الأسماء النسويّة الأدبيّة التي قلّ نظيرها.
شكرًا للجزائر التي أنجبتِ واسيني الأعرج كي يُنصِف الأديبة مي زيادة ولو بعد سبعين عامًا على وفاتها. روح مي هائمة في الفضاء تسبح راضية عن جسد تعذّب وتهاوى. تلك الشجرة التصقت بجذورها في الأرض كي لا تموت. قلب مي الموجوع قاوم حتى النهاية. حملت صليبها على ظهرها ومشت في درجات الألم القصوى. هزّت الأعاصير كيانها ولكنّها بالخيبة جعلتها أقوى ولو كان قلبها مُثقل بالخيبة.
١٣/٠٢/٢٠٢٤