إلى ذات الوطن الكامنة تحت جمر الحرب، إلى كل روح تتوق إلى الفرح، إنها حالة عصية عن الوصف لا يستطيع وصفها إلا من عاشها، سنين حرب أصابت الوطن وأولاده بالإحباط، ونبت جرح اختزن كل معاني الألم والحرقة والتمزق، لا يمكن أن أصف هذا الوباء وأقسى من الوباء الحرب، كان لا بد أن أقرأ وفي جلسة واحدة، تجربة إنسان، هو إبن الوطن، عايش وعاش وتنشق مع كل شهيق وزفير رماد الحرائق المتتالية، وكان في صلب المعركة، أحداث دامية، عانى الاضطهاد والقسوة وتمزق نياط قلب الوطن وقلبه وهو يشهد تمزيق هذه الرقعة الخضراء على ضفة البحر المتوسط، رقعة أصغر من تراها على خارطة العالم، وأكبر من أن تتمزق، رماد، لا أحب اللون الرمادي، ولكن سحابة من رماد غطت معالم لبنان في فترة الحرب، وباتت الرؤية كئيبة جدا على لكل من أحب لبنان، ومن عشق خضرة سنديانه وصنوبر وأرزه على طوال العام، لقد كتب يوسف طراد بقلم الوجع مرحلة عصيبة من تاريخ لبنان، مرحلة سبقتها مراحل لمن يراجع تاريخ لبنان،ولكنها الأشد فتكاً، المحاولة لطمس معالم هذا البلد الأنيق في امتداده من جنوبه إلى شماله، ومن بحره إلى أعالي قمم جباله، ، وشتت أبناؤه، استرجاع الوجع والتعاسة كانت أشد إيلاماً على روحه، يوسف يسرد تفاصيل دقيقة أرقته وسحبت الكرى من عينه،لسنوات طويلة، استرجاع أحداث تلك الفترة الدامية تفوق اللحظة المعاشة، وهل هناك أصعب من أن يعيش االصدمة مرة تلو الاخرى كلما حك القلم ذاكرته، او كلما لاح في الأفق لون الرماد، لقد كان اللبناني وقود الحرائق المتتالية يخبزون عليه مؤامراتهم، يغلقون في وجهه كل أبواب الأمل، ولا يرى من كل تلك الفترة إلا الجانب المظلم، ولكن في وسط الحرب، تنشأ قصص الحب، ويتبلور ذلك الشعور الانساني الاكتمال بالاخر، ليرمم الانكسار الداخلي الذي سببه الحسرة وإنكسار الوطن، فقدان الروح، أخطر مرض يمكن أن يتعرض له المرء، غربة وتغرّب بين حي وآخر، عزلة إنسانية، وحشية الطمع وراء كل هذه القسوة والعنف، اختبار أجاز بالنار لبنان واولاده، احترق وانتفض، إنه الفينيق، ما نحن دونه، رماد، لقد جسّد يوسف طراد وجع الانسانية المحكوم عليها بالحرب، الشباب الذي بُترت احلامه، وأجهضت آماله، على خطوط التماس، ومع كل قذيفة تطلق على الاحياء، وكل تفجير تتعرض له الاحياء السكنية التي تعج بالمدنيين النساء والاطفال الذين لا ذنب لهم ولا دخل في حرب الاخرين على أرضهم سوى أنهم ولدوا في تلك البقعة، وكُتب عليهم أن يدفعوا جزية ويكونوا كبش المحرقة على مذبح الوطن، هل نحن محكومون بالأمل كما قال ونيس؟ بل نحن محكومون بالدم ومن أعداء الحياة بالموات، وبلدٌ محكوم بالأزمات السياسية، إن العامل الوحيد الذي يدفع الإنسان إلى الاستمرار هو الأمل، ولكن تحت وابل القتل هل يبقى وعي للإنسان مع كل تلك المصائب التي تأتينا من الخارج، والداخل المتسخ بكل انواع الفساد، يوسف طراد أغلق على جرحه، وسار في طريق التجنيد الإنساني، ليقوم بدوره تجاه الانسان والوطن، تجرع الفقد، عض على جرحه، واقتطع من يأسه الرجاء، ومن نومه حلم حياة، وأمل، ومن قلمه المنزه عن الانحيازات، كتب سيرة ذاتيّة له ولبنان بـ ١٥٤ صفحة انسياب رقيق، لسيرة موجعة بامتياز، صدق الروح ومصداقية الإحساس والتجربة، هذا وهناك الكثير لم يقال.