قراءة لنص نايٌ ومحبرة، للأديبة إخلاص فرنسيس بقلم: د. عماد خالد رحمة
النص الذي بين يديّ قصيدة ذات نَفَسٍ صوفي ــ رمزي، تتكئ على لغة شعرية مشبعة بالصور الحسية والمعنوية، تزاوج بين النغمة الموسيقية (الناي، المحبرة، القلم) وبين الجسد المتمرد (الفتاة السمراء، النهد، الجدائل)، في محاولة لصياغة مشهد تتصارع فيه الذاكرة والنسيان، الحضور والغياب، الطراوة والمرارة.
أبرز ما يميز النص:
كثافة الصور: إذ تشتغل الشاعرة إخلاص فرانسيس على الانزياح التصويري (“يحزّ الناي جلدها فتسقيه خمرها”)، حيث تتحول الآلة الموسيقية إلى كيان جارح يتغذى من خمرة الجسد.
المفارقة بين التجريد والحسّ: فالذاكرة واليقين والنسيان مفاهيم عليا، غير أن الشاعرة يتُسقطها على أشياء ملموسة كالورد والقصب والخمر والجدائل.
إيقاع داخلي: الجمل المقتضبة المتلاحقة تعطي للنص موسيقى متقطعة، أشبه بارتجاف ناي، تتماوج بين انكسار واندفاع.
البعد الرمزي: الفتاة السمراء ليست مجرد صورة أنثوية؛ إنها استعارة عن الجنوب، عن خصوبة الرمل ومرارة الذاكرة، عن التمرد على الريح/المحو.
مع ذلك، يواجه النص بعض المآخذ:
أحيانًا تتزاحم الصور فتفقد الكثافة معناها، فيبدو النص وكأنه ينفلت من يد الشاعرة إلى تراكم زخرفي.
ثمة انتقالات سريعة بين المشاهد (من الناي إلى الوردة، من الريح إلى الفتاة) دون جسور كافية، مما قد يُربك القارئ.
خلاصة القول: النص غني بالصور والرموز، يكتب شعريته على تخوم الموسيقى والذاكرة والجسد، ويكشف عن حسٍّ جمالي يغامر بتفجير اللغة. لكنه يحتاج أحياناً إلى مزيد من التماسك الداخلي حتى يبلغ تمامه الفني.
أرجو لك دوام العطاء والتوفيق والنجاح.
النص:
نايٌ ومحبرة،
وقلمٌ بيني وبينك يخطُّ ذكرى،
كومةٌ من الفراغ
تسدُّ اليقين
وتنحرُ الذاكرة.
كذبٌ من قال:
النسيانُ طغمة،
يحيلُ الدم أمصالًا
ويُعري القصبَ من سُكره.
ينسحبُ المساء
على خدِّ الوردة الحمراء،
تشربُ الليل وتعصره،
يحزُّ النايُ جلدها
فتسقيه خمرَها.
تشُقّ الريحُ النهار،
ويموتُ بيننا الانتظار
على الدروب المواربة.
فتاةٌ سمراء،
عصيّةٌ على الرحيل،
تتقمّص الروضَ
زهرةً في عبقِ المرارة.
تلمُّ جدائلها،
تنفض عن نهدها حكايةَ الشفاه،
تدور صوب الجنوب تُعطّره
طلاوةَ الرملِ
بين الأنامل.
وحدي تقول:
أطوعُ كريستاله.
إخلاص فرنسيس
