د.اسامة عيد معمر
يخطأ من يعتقد انه يمتلك مفاتيح الحقيقة، لا بل ان امتلاك مفاتيحها امر شبه مستحيل لان الحقائق الثابتة هي قليلة جدا لا بل انها نادرة جدا ، إذ ان الحقيقة التي ندركها تابعة لكثير من العوامل اهمها الوسائل التي نستخدمها في البحث عن الحقيقة لقياسها و تثبيتها فهذه الوسائل محدوديتها من محدودية الانسان ذاته و قدرتها من قدرته على استيعابها و رؤية و فهم كل اجزائها، المرئي و اللامرئي ، المحسوس و الغير محسوس منها. ان الامر اشبه بانسان يلبس قميصاً ، فطُلبَ منه ان يصف القميص الذي يلبسه. فوصف كل التفاصيل التي يراها و لكنه لم يدرك ان على ظهر القميص لطخة حمراء صغيرة، فهو غير قادر على رؤية ذلك الجزء من القميص مع انه يلبسه، وحتى يرى ما على ظهر القميص لا بد له من اما ان يسال شخصاً اخر و بالتالي عليه ان يثق بوصف الاخرين ، او ان يستخدم مرآة كبيرة تكشف له ما على ظهر القميص و في كلا الحالتين هناك محدودية للحقيقة التي سيصل اليها فماذا لو ان الشخص الذي يصف اللطخة عنده ضعف في البصر او محدودية في رؤية الالوان فسيكون وصفه للحقيقة ناقصا لانه سيخطئ اما في اللون او في حجم اللطخة. و كذلك المرآة اذا كانت محدبة قليلا او مقعرة قليلا او سطحها غير املس فستعكس صورة غير حقيقية للطخة اذا ستعكسها اما اكبر قليلا او اصغر قليلا او ستظهرها بشكل متعرج بدل من املس. اذاً بقي حل واحد غير هذه الحلول وهو ان نخلع القميص و ننظر اليه بانفسنا. قد تبدو هذه الفكرة هي اكثر الحلول دقة ، وقد يكون الامر كذلك على فرض انا الانسان نفسه صاحب القميص ( الحقيقة) هو الاكثر قدرة على فهمها و سبرها و قرأة و وصف تفاصيلها، فبصره ثاقب و عقله راجح و حكيم. إنّ خلْع القميص يعني التجرد المطلق من الحقيقة التي نعرفها وذلك كي نختبرها من جديد بدون احكام مسبقة و بطريقة علمية ليس فيها اي انحياز ، وهذا يا صديقي هو المفتاح الحقيقي نحو محاولة اكتشاف الحقيقة او جزء منها على الاقل و هو امر ليس بالهين او البسيط. فالناس بشكل عام غير قادرين على التجرد من كل ما يعرفون كرمى لعين البحث عن معرفة جديدة و قرأة مختلفة لما يعتقدون انها حقائق ثابتة. العقل العلمي هو العقل الوحيد القادر على افتراض ان الحقائق القديمة كلها خاطئة و انه علينا فحصها و سبرها من جديد. و العقل العلمي ليس سوى العقل المفكر الذي يبحث عن دلائل علمية قابلة للقياس و للاختبار من اجل تحقيق التجارب التي تنتج حقائق علمية ثابتة بحيث يمكن اعادة انتاجها ضمن شروط التجربة نفسها. اذا هناك قضيتين اساسيتين اثناء البحث عن الحقيقة ، اولا لا يوجد حقيقة مقدسة و مطلقة وغير قابلة للنقض ، فالحقيقة المطلقة الوحيدة هي ان كل شيئ في الوجود متغير و متبدل. و القضية الثانية هو اننا لا نمتلك مفاتيح الحقيقة و لكننا نمتلك القدرة على البحث المستمر عنها ، فكما انها هي متبدلة و متغيرة كذلك قدرتنا على النظر فيها و سبرها تزداد يوما بعد يوم
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي