كُلَّمَا ثَقَبَ الزَّمَنُ النَّذلُ قَلبِي
وأَطفَأَتِ الحَربُ
في أُفُقِي لَهَبَ الأُمنِيَاتِ
كَسَرتُ مَجَادِيفَ خَوفِي
وسَافَرتُ.. سَافَرتُ..
أَشعَلتُ قِندِيلَ شَوقِي
ورُحتُ
تُسَاوِمُني صَبوَةٌ لِلتَّجَرُّدِ
مِن قَلَقٍ دَاكِنٍ
كَادَ يَنْسَلُّ بيني وبين النُّعَاسِ
النُّعَاسِ الذي لا قَرَارَ لَهُ
حَيثُ ليسَ الكَرَى غَيرَ شَاهِدِ قَبرٍ
يُذَكِّرُني بِالزَّوَالِ،
ولَيسَ النَّوَى غَيرَ ظِلٍّ لِفَزَّاعَةٍ
في الطَّرِيقِ لِحُلمٍ قَدِيمٍ
وما الذِّكرَيَاتُ الأَلِيمَةُ
إِلَّا صَبَايَا مُدَلَّلَةٌ
يَتَرَاقَصْنَ في شُرُفَاتِ القُنُوط.
ويا لَيلُ
يا لَحنَ كُلِّ الأَغَانِي الحَزِينَةِ
كَم فَوقَ صَدرِكَ مِن حَجَرٍ
مِثل صَدرِي؟
وكَم في خَزَائِنِكَ الأَزَلِيَّةِ
مِن حِنطَةِ الدَّمعِ /دَمعِي؟
وكَم فَلَّ صَدرَكَ هذا الظَّلامُ/ الصَّدَى..
فَلْتَقُم يا صَدِيقِي
أُقَاسِمْكَ مِلحَ ابتِسَامَاتِنَا
وخَزَائِنَ أَسرَارِنَا وانكِسَارَاتِنَا
كَنَدِيمَينِ كَأساً بِكَأسٍ
مَلَلْنَا الوُقُوفَ على حَدِّ أَبصَارِنَا
بِانتِظَارِ الصَّبَاحِ/ السُّدَى
والسُّدَى خَائِنٌ
قُم لِنَكسِرَ ما بَينَنَا فَوقَ طَاوِلَةِ النَّردِ
عِشرينَ تَابُوت أَسئِلةٍ
_ولْتَقُل لِي إِذَنْ: (مَلِكٌ أَم كِتَابَةْ)؟
-مَلِكٌ سَامِعٌ لِلدُّعَاءِ ومُنتَظِرٌ مِثلَهُ لِلإِجَابَةِ، تِلكَ التي تَتَوَارَى كَعَاشِقَةٍ في سَرَابٍ!
فَقُلتُ أَيَا صَاحِبِي:
أَينَ تَغفُو إِذا مَرَّ وَقتُكَ
أَو كَشَّرَ الصُّبحُ عَن نَابِهِ بَغتَةً
أَو دَعَتكَ الحَبِيبَةُ لِلنَّومِ في حِجرِهَا؟
قال لي: لا حَبِيبَةَ عِندِي
ولا أَصدِقَاءَ، ولا عَائِلَةْ
إِنَّني مِثلُ أَحزَانِ هذا الوُجُودِ
تَشَكَّلْتُ بِالرُّغمِ مِنِّي
لِهذا أُمَرِّغُ جُمجُمَتِي في بِحَارٍ مِن السَّأَمِ السَّرمَدِيّ!
فَقُلتُ له: يا تُرَى، أَنتَ مِثلِي تُفَكِّرُ بِالنَّومِ
_أَو هَل تُفَكِّرُ في عَمَلٍ مُثمِرٍ
أَو بِثَوبٍ جَدِيدٍ؟
فقالَ: السَّوَادُ دَمِي
إِنْ تَجَرَّدتُ مِنهُ انتَهَيتُ
ولكنَّني حِينَ فَكَّرتُ في تَركِهِ ذَاتَ يَومٍ
وحَدَّثتُ حَارِسَ غابَتِنا المُظلِمَةْ…
كَادَ أَن يَغمُرَ الأَرضَ بِي
وتَجَهَّمَ، وهو الذي النُّورُ أَوَّلُ أَسمَائِهِ
وتَطَايَرَ مِن وَجهِهِ -ما تُسَمُّونَهُ في السَّمَاءِ- النُّجُومَ
وأَوْشَكَ أَن….
غَيرَ أَنِّي جَثَوتُ على وَحشَتِي خَاضِعاً
وتَبَسَّمتُ مُعتَذِراً
ثُمَّ قُلتُ لَهُ:
لَستُ أُدرِكُ أَنَّكَ يا سَيِّدِي لا تُحِبَّ المُزَاحَ
فَعَمَّدَنِي بِالدُّمُوعِ، وتَوَّجَنِي بِالكَآبَةِ،
هذا الذي قَالَهُ صَاحِبِي
………………….
كَانَ لم يَطرُقِ الصُّبحُ أَبوَابَهُ
حِينَ أَوْمَأَ لِي ثُمَّ حَدَّثَنِي هَامِساً
وهو يُسدِلُ شُبَّاكَهُ:
هكذا يَثقُبُ الوَقتُ أَيَّامَنَا بِالأَسَى
هكذا تَتَبَخَّرُ غَايَاتُنا بِجَحِيمِ التَّشَهِّي
وغَااااااب….
هكذا تَتَدَثَّرُ أَعمَارُنَا بِالسَّوَادْ
هكذا نَنحَنِي لِلّذي لا نُرِيدُ
ونَعتَادُهُ
هكذا….. كُلَّمَا نَسِيَ اللَّيلُ مِفتَاحَ مَنزِلِهِ
طِرتُ مِن فَرَحٍ
ثُمَّ أَسرَعتُ أَتبَعُهُ لِنَسِيرَ كَطِفلَينِ
أَو كَسَجِينٍ وسَجَّانِهِ
دُونَما غَايَةٍ، بِقُلُوبٍ مُجَرَّحَةٍ
وعُيُونٍ مُحَطَّمَةٍ
هكذا مِن قُرَابِةِ عِشرِينَ نَزفاً
وقَلبي الذي ثَقَبَ الزَّمَنُ النَّذلُ جُدرَانَهُ
يَتَخَبَّطُ ما بَينَ لَيلٍ ولَيلٍ
غَرِيباً /هَزِيلاً
يُقَطِّرُ مِن زَهَرِ الاحتِضَارِ
نَبِيذَ انتِشَاءَاتِهِ
بِانتِظَارِ الزَّمَانِ الجَدِيدِ
ويُخمِدُ بَينَ جَوَانِحِهِ
لَهَبَ المُستَحِيل..