كان مساءً غبيّاً، قاسياً، ليتنا لم نلتق به أبداً، كان مساء فجّاً فيه كلمات عن الموت والفراق والوجع، ونسينا فيه الحياة.
كان مساء رماديّاً، وكم أكره الرماديّ، وأعشق الأزرق بصفاء روحه.
كان مساء شبيهاً بعاصفة حبلى بالرمال المتحركة، نبلعها قبل أن تبلعنا، تدكّ صدورنا بالحُبيْبات الكريستالية. لم يكن المساء الذي تعوّدت فيه دهشة انتظارك، لأعيد ترتيب كلماتي على وقع حضورك، وشفافية روحك، حيث اعتدت فيه الخروج من غابات البشر، ومن يأسهم وبؤسهم وجورهم، لنجلس حول مائدة شهيّة، نشعل الشموع برائحة الليلك والتفاح، نغلق على نفسينا خارج العالم. نحكي قصص الحيّات والرحلات المكّوكيّة حول النفس الإنسانية، نشرب نخب الحبّ، تعصر الغيم في كأسي، تُقبّل أناملي، وتنثر الزهور تحت قدميّ.
أسير بأطراف أصابعي بحذر، كي لا أوقظ القمر الساكن بيننا.
كان مساء نطارد فيه فراشات السهل، والبحر يفتح ذراعيه، يرتفع شبق الموج، ويضرب صدورنا المليئة بأسراب الحمام.
كان مساء أعدّ الثواني بشغف قبل وصوله، نتوسّد قصائده، ونفضي بمكنون النفس إليه.
كان مساء في آخر ممرّاته تمتدّ رائحة العشق، نسير فيه يداّ بيد إلى مذبح الروح. بعثرتنا الريح، حاصرنا جنون، ضربنا فيه عرض الحائط كلّ المساءات والشموع والجنون، وأخذتنا الأنانيّة إلى بلاد الحرمان والعذاب.