د. حسن مدن منقول عن صحيفة الخليج
بقدر ما أثار كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد اهتماماً في الأوساط الثقافية والفكرية العربية، فإنه أثار، بالمقابل، اهتماماً لا يقل في الأوساط الأكاديمية والفكرية الغربية، خاصة أن الكتاب، حسب وصف كمال أبو ديب، «غير عربي»، في مقدمة ترجمته له إلى اللغة العربية وهو وصف وافق عليه إدوارد سعيد نفسه.
اللافت أن اهتمام الأوساط الغربية المعنية بالكتاب لم يتمثل في النقاش حول أطروحات إدوارد سعيد فيه حول الاستشراق، حيث وضعه في السياق السياسي – الاجتماعي لمشاريع الهيمنة الغربية على الشرق، وأضاء جوانب الصورة النمطية لهذا الشرق، خاصة العربي الإسلامي منه، في أذهان المستشرقين، وإنما من زاوية إعادة التخندق
حول مفهوم الاستشراق الذي نقده سعيد
هذا ما وقف عنده إدوارد سعيد في الحوار المشار إليه والمنشور في كتاب «سراج الرّعاة» لخالد النجار، حيث أفاد سعيد بأن كتابه أُوّل من قبل المستشرقين ك«هجوم عسكري» ضدهم، وأيقظ لديهم ما وصفه ب«الوعي الجماعي الذي يلغي الوعي الإنساني»، فجاءت إجاباتهم على أطروحات الكتاب آلية ودفاعية، حيث استفزتهم إعادة سعيد الاستشراق إلى جذوره الاجتماعية والسياسية التي يريدون حجبها
المثل الساطع على ذلك باح به إدوارد سعيد حين أشار إلى صديق له يعتبر نفسه متعاطفاً مع العرب، بعث له بمراجعة وضعها للكتاب، وكانت حسب تعبير سعيد «معادية جداً ومهينة»، قبل أن يبعث هذا المستشرق الصديق برسالة إلى سعيد قال له فيها إنه لا يعتقد بما قاله في المراجعة، ولكنه كان مضطراً للدفاع عن شرف ميدان بحثه وعن مهنته.
يقول إدوارد سعيد إن هذا الموقف أدهشه، فالكائن البشري يمكن أن يزدوج وينقسم إلى إنسان ومستشرق، في السر يقر بخطئه، وفي العلن يجاهر بموقف نقيض حرصاً على الصورة المقبولة في الوسط الذي يتحرك فيه. وما أكثر ما سمعنا وقرأنا عن ازدواجية المثقفين عامة، وفي كافة المجتمعات، والتي تتجلى في الانفصام أو التناقض بين ما يدعون إليه من أفكار وقيم، تبدو إنسانية ونبيلة جداً، ومواقفهم العلنية في الحياة غير المتسقة مع ما يدعون إليه.
من المحال وضع كل المستشرقين في خانة واحدة، لكن أقوال سعيد هذه تشي بأن الاستشراق، كمنظومة هو على درجة من التماسك في تبني المواقف والرؤى التي كانت محط نقد سعيد في كتابه المثير للجدل