10-02-2022 | المصدر: “النهار العربي” كتب سمير قسطنطين
في كثيرٍ من المرّات، نسمعُ والداً يتحدَّثُ عن ولدِه بشيء من الأسف والعتب، أو حتّى الخُذلان. وقد يكون هذا الكلام في حضورِ الولد المعني. يتسبَّبُ الأمر بإحراجٍ للولد ولنا أيضاً. فكيف نُعلِّقُ على ما يقوله والدٌ من كلامٍ سلبيّ في حقِّ ولده أمامنا؟ لا شك في أنَّ هدف كلُّ والدٍ أو والدةٍ هو أن يحفّز ولدَه لا أن يُحبطَه. لكن هناك مشكلة كبيرة عندما أرى ولدي غيرَ مُحفَّزٍ لفعل أيِّ أمرٍ مهم. أستعمِلُ معه أساليبَ عديدةً أعتقدها تحفيزيّة. ألجأُ مثلاً إلى الوعظ: “ما فيك تضّل هيك، لازم تشتغل أكتر.” وقد ألجأُ إلى التّهديد، فأقول: “إذا ما بدّك تتغيّر، بدّك تعرف إنو ما رح كون معك ذات الشّخص.”
وقد ألجأُ إلى التهكّم واللامبالاة، فأقولُ: “أنا ما بقى فارقة معي. أنا عملت مستقبلي. إنتَ دبِّر راسك، اصطفل.” لكننا سريعاً ما نلاحظ أنَّ هذه الأساليب لم تأتِ ثماراً جيّدة. فولدُنا ما زال غير محفَّزٍ لبذلِ جهدٍ في المدرسة أو الجامعة أو مكان عمله
كيف أُحفِّزه إذاً؟ هذه الطّرائق أثبَتَت فشلها، وأدَّت إلى كسرِ العلاقة بين الأهل والولد. في المقابل هناك أساليبُ تَواصُل مُجدِية مع الولد، أوقَفَت التّدهوُر ورفَعَت الولد من بئر اللاّمبالاة إلى مستوى التّفكير بما سيفعله في مستقبله. لماذا لا تُجرِّبها منذ اليوم فتُركِّز على الجهد الّذي يبذُله الولد وعلى التّقدُّم الّذي يُحرزُه وليس على الأداء ومستوى الأداء؟ فإذا رأيتَ ولدك يستعدُّ للامتحانات بشكلٍ أفضل ممّا سبق، لِمَ لا تقول له مثلاً: “أنا شايف جهدك، برافو”؟ قُلْ له هذا الكلام بغضِّ النّظر عن العلامة الّتي سيحرزُها. أمرٌ آخر تستطيع أن تفعله وهو التحدُّثَ عن ولدِك بشكلٍ إيجابي أمام الآخرين. لقد سمعَك ولدُك تتحدث عنه بشكلٍ سلبي في مرّاتٍ كثيرة ممّا أدّى إلى إحباطِه أكثر ممّا أدّى إلى تحفيزِه. لماذا لا تستعمل عبارات أمام الأصدقاء والمعارف والأقارب من مثل: “إنَّ يوسف يبذلُ جهداً هذا الفصل أكبر ممّا فعله سابقاً وأنا أُقدِّر له ذلك.” عندما تقول له هذا الكلام، لا تُكمله بعبارةٍ: “يوسف ضَيَّع وقت كتير بس هلّق عم يتغيَّر.”
تستطيع أيضاً أن تُظهِر لولدك أنّك تُحبُّه بغضِّ النظر عن مستوى أدائه. في مرّاتٍ كثيرة، يربُط الأهل تعبيرهم لولدِهِم عن محبّتهم له بمستوى الأداء في المدرسة، فيتعاطون معه بجفاء إذا كانت علاماته منخفضة. لا تربُط التّعبير عن محبَّتِك له بعلاماته. من الضّروري أن يرى ولدُك محبّتَك له بغضِّ النّظر عن علامتِه الّتي يُحقِّقها في مادّة ما أو في المعدَّل العام. قد يكونُ ذلك صعباً عليك، لكن هل تتخيَّل ولدَك يعيش معك لأسبوعٍ وشهرٍ وهو يُدرِكُ أنَّكَ لا تُريه أي علامةٍ من علامات المحبّة؟ هذا الشّعور سيخلقُ عنده انطباعاً بأنَّكَ تحبُّه من أجلِ علاماته فقط. ليسَ ذلكَ فحسب. لعلَّكَ لم تُشعره بأنَّكَ فخورٌ به منذُ زمن طويل. سمعَك في مرّاتٍ كثيرةٍ تقول عن أخيه أو أخته كلاماً من هذا النّوع: “رولا بنت بتاخُد العقل، الله عاطيها”، أو “رياض ولد ما بيحوجني قِلّو شي”. يوسف ولدُك يسمع هذا الكلام ويُدرِكُ في أعماقِه بأنَّكَ فخورٌ بأخيه وأخته وأنَّ شعورك نحوه ليس كذلك. أودُّ أن أسألُكَ: “ألا تعتقد أنّ في يوسف أمراً واحِداً على الأقل يستحقُّ الافتخار؟” لعلَّه طيِّبُ القلب ومندفع، لعلَّه خدومٌ لكلِّ الّذين يحتاجون إليه. ألا تستحقُّ هذه الصّفات بأن تُشعِرهُ بأنَّكَ فخورٌ به من أجلها؟ هذا الولد الّذي خَذلَكَ في كثيرٍ من الأحيان، له صفاتٌ رائعة. أنا متأكِّدٌ. هو يحتاجُ أن يراكَ فخوراً به على الأقل في هذه الصّفات الّتي يملُكُها
وأودُّ لفتَ نظرِكَ إلى أمرٍ آخر. أحياناً أنت تُنهي ولدَك عن فعلِ أمرٍ ما. يذهبُ هو ويفعله. التَّبِعات قد تكون ظاهرة ومُحرِجة له ولك. تُبادِرُ أنتَ إلى القول: “قلتلّك ميّة مرّة…” هذا الكلام لا يُفيد. لعلَّك تريدُ أن تسأله في تلك اللّحظة، وبنبرةٍ هادِئةٍ: “ما هي العِبرة الّتي تعلّمتها ممّا حصل؟” الولد ليس بحاجةٍ “بأنّك تهتُّه”. هذا يُدمِّر العلاقة. أقول ذلك لأنّنا في كثيرٍ من الأحيان “مننّق على ولادنا”. النَّق سيِّدُ الموقف. نحنُ نعتقد أنّنا بذلك نُحفِّزهُ. هو ينظُرُ إلى هذا النّق على أنَّهُ ضغطٌ كبيرٌ عليه خصوصاً عندما يكون النقُّ يوميّا
أمرٌ آخر يجدُرُ بنا الانتباه إليه. يُفاتحنا ولدُنا بمشروعٍ يرغبُ في أن يُنفِّذَهُ. هذا المشروع يتعلَّق بمستقبلِه المهني أو الأكاديمي. كلامُه قد لا يُعجِبُنا وعندما يسألُنا لماذا لا نؤيّد قراره، نقول: “أنا بعرف شو الأحسن إلَك.” لا أُخفي عليك أنَّكَ كوالدٍ أو كوالدةٍ تعرف الكثير من الأشياء الجيّدة لولدِكَ. لكن كلامَك، حتّى ولو كان مُحِقّاً، لا يُفيدُ العلاقةَ معهُ. إنْ أظهرتَ له احتراماً لتفكيره ومبادرتِهِ فذلك يُخفِّفُ من سلبيّة النّقاش حتّى ولو لم تُوافِق معه على كلِّ مضمونه
في نقاشاتنا مع أولادِنا، ننزَلِقُ أحياناً إلى مقارنته بأترابِه أو بأخوتِهِ أو بأولادِ أعمامه. إعلَمْ أنَّكَ في تلكَ اللّحظة أنتَ تدُقُّ مسماراً في نعشِ العلاقة بين ولدِكَ وبينَ هؤلاء. سيكونُ هؤلاء عناوين كبيرة لنظرتِهِ الدونيّة إلى نفسِه
في بعض المرّات، يأخذُ كلامُنا لولدنا طابع الوعظ لدرجةٍ أنّنا نتحدَّثُ معه في أمورٍ لا نعيشها نحن. نحثُّهُ مثلاً على احترام أختِه الأصغر منهُ سنّاً، لكنَّهُ يرانا نقلِّلُ من احترامِهِ هو عندما نتحدَّثُ إليه. نطلُبُ منهُ أن يبذُلَ جُهداُ مضاعفاً في سبيلِ النّجاح، لكنَّهُ يرانا لا نبذُلُ جهداً كافياً مثلاً، للإقلاعِ عن التّدخين. فإذا أردتَ فعلاً أن تُحفِّزَ ولدَكَ عليك أن تُظهِرَ أمامه نموذج التّصرُّف الّذي تُريدُهُ أنتَ لهُ. في اللّغة الانكليزيّة نقول: “walk the talk” أي “تَصَرَّفْ بحسب ما تقول”. من المهمِّ جدّاً ألّا يصلَ ولدنا إلى مرحلةٍ ينظرُ إلينا فيها ويقول: “أنتَ تعظُني للإقلاعِ عن هذا الأمر لكنَّك يا والدي أنتَ لا تُقلِعُ عن الأمر الفلاني.”
ولا يمكنني ألّا أُلفِت النَّظّر إلى أنّنا أحياناً نريد أن نحقِّقَ أحلامنا التي لم نُحقِّقها في صِبانا وشبابنا في ولدِنا. تسمع مثلاً والدة تقول: “كنت حابّة أعمل طبيبة بس أهلي ما خلّوني. بدّي بنتي تعمل طبيبة.” قُدُراتك هي غير قدراتِه وشخصيّتك هي غيرُ شخصيّتِهِ وأحلامُكَ ليست أحلامَه. هو شخصٌ مستقلٌّ عنكَ، هو شخصٌ آخر. إذا لفتَّ نظرَهَ إلى مهنةٍ إنسانيّة فيها مدخولٌ جيِّد ومكانةٌ اجتماعيّة، فلا بأسَ بذلك. لكن أن تلُحَّ عليه بتحقيق حُلُمٍ لم يكتمل كان عندك في صباكَ وشبابك، فذلك أمرٌ غير محمود العواقب
في الخِتام، كلُّنا نخطئ في طريقةِ تحفيزِنا لأولادِنا. صدِّقني أنَّنا جميعاً نتعلَّمُ في كلِّ ولد ومع كلِّ ولد. لذا، إنْ نحنُ أخطأنا عن غيرِ قصد، فلنكُن منفتحين على فكرةِ التَّعلُّم ممّا يجري في علاقتنا مع ولدِنا، ولعلَّ مل يبني الجسرَ بين أخطائنا وما يتوقّعه هو منّا، هو المحبّة. المحبّة التي تستُر الكثير من الأخطاء. إذا رأى ولدُك محبَّتَك أقوى من وعظِكَ وقساوتِكَ، فهو مُستعدٌّ في لاوعيه لكي يسامحكَ. لكنَّه إذا رأى محبّتك له غير واضحةٍ، فإنَّ مستوى التّحفيز قد يكونُ مُخذِلاً لكَ وله
أعودُ إلى سؤالي الأوَّل: “هل تُريد أن تُحفِّزَ ولدك؟” لعلَّ ما تقدَّمَ قد يرسم خريطة طريقٍ بسيطة لنا كلَّنا، إذا سلكناها نصلُ إلى هناك
- ماذا يقرأ محمد صلاح ؟
- – هنري زغيب يكتب – فيروز المواهب الخمس
- حديث الصفحات في كتاب “وطنٌ اسمه فيروز”
- “الله يخلّي الولاد”! ((عن لبنان ما حدث ويحدث))
- سينما- قصة قصيرة بقلم د. مصطفى الضبع
تعليقات 1