بوسع كل الشغوفين بالقراءة أن يحكوا تجربتهم معها، أو يقفوا بينهم وبين أنفسهم فقط مراجعين لهذه التجربة، خاصة لجهة الكتب التي غيّرت أفكارهم وطوّرتها، وهي نقلة ما كانت ستتم لو اعتمد المرء فقط على تجاربه في الحياة. صحيح أن التجارب، بالسلبي والإيجابي منها، تُعلمنا وتدربنا على عدم الوقوع في أخطاء سبق أن وقعنا فيها، ونذكر هنا عبارة منسوبة إلى أحد المشاهير من رجال السياسة تقول: «غبيّ من يقع في الخطأ نفسه أكثر من مرة»، وهي عبارة بليغة حتى وإن بالغ صاحبها في القول، فحتى الأذكياء عُرضة للوقوع في الخطأ نفسه أكثر من مرة. أردنا القول إننا أبناء تجاربنا في الحياة التي تكسبنا ليس الخبرات وحدها، وإنما المعارف أيضاً.
المعارف التي نكتسبها من قراءة الكتب لا تقل أهمية؛ بل قد تزيد على التي أكسبتنا إياها الحياة، فالكتب تنقل لنا خبرات سوانا أيضاً، حين تكون لكتّاب مهمين، هي الأخرى خلاصة تجارب في الحياة مرّ بها كتّابها، وخلاصة قراءاتهم هم أنفسهم، لأنه ما من كتابة تنطلق من الصفر، كما قالت الناقدة اللبنانية يُمنى العيد ذات مرة، فكل كاتب ينطلق مما كتبه سابقون له، وأحياناً من مجايلين له أيضاً، لا لكي يكرر ما قالوه، وإنما لينطلق منه نحو أفق جديد، لأن المعارف الآتية من القراءة تنفذ إلى ثنايا فكرنا، سواء وعينا ذلك أو لم نع.
ليست كتب الفكر والفلسفة والعلوم وحدها ما يفعل كل هذا الأثر، على أهميتها الكبرى، التي يرى البعض أنها تفوق أهمية الكتب الأدبية، من روايات وقصص ومسرحيات وأشعار، وهي مفاضلة غير وجيهة في تقديرنا، فمثلما ليس بوسعنا الاستغناء عن العلم ليس بوسعنا أيضاً الاستغناء عن الأدب والفن. كل الأمم الناجحة تحلق بجناحين: جناح العلم وجناح الأدب، وكما تعلمنا كتب الفكر والعلم، يعلمنا الأدب أيضاً.
كم من شخصيات الروايات والمسرحيات التي أسرتنا، خاصة منها تلك الروايات التي حوّلت إلى أفلام، حيث شاهدنا تلك الشخصيات مجسدة في الممثلين والممثلات الذين تقمصوها في أعمالهم، مثل «عطيل» و«روميو وجوليت» و«الملك لير» في مسرحيات وليام شكسبير، ومثل «آنا كرنينا» بطلة رواية تولستوي التي تحمل الاسم نفسه، وهي الشخصية التي وقف عندها كاتب مقال: «هل يُؤدبنا الأدب؟» الذي ترجمته إلى العربية الأديبة والمترجمة العمانية أزهار أحمد، ونُشر قبل نحو سبعة أعوام في مجلة «الثقافة العالمية»، وهو يناقش دور الأدب في تهذيب الإنسان وتربيته على القيم النبيلة، من عدة زوايا بينها زاوية التعاطف مع الآخرين، مستشهداً بمنولوغ للبطلة، أي آنا كارنينا نفسها، وهي تعبر عن صراعها مع نفسها في لحظة ما.
عن الخليج