جلال برجس
“ها أنتَ تحدقُ بك، تحاول أن تعبر بابًا يفضي إليك. في الداخل ظلمة تتمدد بسخاء كبير. تمشي بتوجس. تمرّ بين حشائش، وشجيرات يابسة. تمشي على مهل حذر، كأنكَ تخشى أن يصحو أحد من غفوته. لا صوت إلا صدى تهشم العشب اليابس تحت قدميك الحافيتين. لا يوجعك الشوك، ولا شظايا زجاج لا تدري كيف جاء وتناثر على هذا النحو الغريب. يسيل الدم من قدميك. تحس به يسري دافئًا؛ فيمنحك لذة غريبة. تراودك السيجارة على رأسها لتشعله، وتشهق بدخانها ثم تزفره. لكنك تخشى أن تسقط من يدك؛ حينها ستشج النار ثوبها مثل امرأة مكلومة؛ فيموت الأمل
تمر بنهر كان صدى خرير الماء فيه يؤنسك. تصخي السمع. لا ماء يجري. تجثو على ركبتيك. تمد يدك إلى النهر. لا تجني إلا الرمل. تتأكد من أن الذي تلمسه رمل أم ماء. توغل في الظلمة. لا #_صوت إلا صوت خطواتك. لا ترى شيئًا مما رأيت من قبل. تفكر بالعودة، وأنت تتمتم: هذا ليس أنا
تدير ظهرك، لكنك تسمع الصوت ذاته، موسيقى تأتي من مكان قريب، طالما عجزت عن شرحها لأحد. تسرع من خطواتك. يتعالى صوت تكسر العشب اليابس، والشوك، والزجاج تحت قدميك. يسيل الدم أكثر من ذي قبل. كلما اقتربت ترى بصيصًا من ضوء يتسع مع اتساع خطواتك، وتسمع الموسيقى تهرع إليك. تعدو ، وأنفاسك تتعالى. تعدو أكثر إلى أن يتفجر الضوء؛ فترى ولدًا ينفخ في آلة، تلد موسيقى كأنها النشيج. تجثو على ركبتيك وتبكي. ثم كذئب يعوي وعيناه على القمر، تصرخ بالموسيقى، تفعل ذلك مع ما يفعله الولد الجالس على صخرة تطل على البعيد؛ فترى طيورًا في مناقيرها مصابيح، تفر من فمك، فتنير سمائك ،حتى بت غير مؤمن بحقيقة الظلمة
القادمونَ إليَّ لم يصلُوا
تعليقات 2