* شاكر لعيبي
مونرو وريلكه
مونرو كانت “مثقفة” وخير بكثير من بعض مثقفينا ومثقفاتنا السائدين. التحقت سنة 1952 بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، ودرست الفن والأدب، وهناك عرفت كبار الكتاب العالميين أمثال فوكنر وشتاينبك ودوستويفسكي وفيتزجيرالد وشكسبير وفلوبير وغيرهم. قالت: “كنت أقرأ إلى أن أصاب بالدوار». وذكر الكاتب وعالم النفس الفرنسي ميشيل شنايدر: «كانت تقرأ بجشع مضطرب مثل أولئك الذين نشؤوا في بيوت بلا كتب».
بعد انتقالها إلى نيويورك واحتكاكها بالطبقة المثقفة نما شغفها بالقراءة وعدتها ملاذًا. وهناك صادفت كارسون ماكلرز Carson McCullers وقرأت معها أول أعمالها وأشهرها «القلب صياد وحيد The Heart Is a Lonely Hunter (1940)» الذي يقدّم شخصيات لا تختلف كثيرًا عنها. وبرفقتها عرفت عدة كُتاب على رأسهم ترومان كابوت الذي ألحّ على أن تمثّل مارلين دور هولي قولايتلي في الفلم المقتبس من روايته «إفطار عند ستفاني»، لكن شركة الإنتاج فضلت غيرها. صادفت بالمدينة أيضًا الروائية الدانماركية كارين بلكسين Karen Blixen مؤلفة كتاب «خارج إفريقيا Out of Africa». مارلين القارئة لا تختلف عن أي قارئ آخر، استخدمَت ما قرأته في حياتها، واقتبسَت من الكتب التي أحبّتها، ونصحَت أصدقاءها بالقراءات التي أثرت فيها. ورافقَتها الكتب في كل مكان، في مكتبتها الشخصية الصغيرة التي احتضنت نحو أربعمئة كتاب بيعت بعد وفاتها في مزاد علني، وفي سيارتها، وخلف كواليس شغلها، وفي حقائب سفرها.
أهدت كتبًا وأشياء بسيطة عليها عبارات أدبية لافتة، كالميدالية التي أهدتها إلى زوجة اللاعب جو ديماجيو يوم زفافهما وزيّنتها بجملة «لا يرى المرء رؤية صحيحة إلا بقلبه؛ لأن العيون لا تدرك جوهر الأشياء»، وهي من أشهر عبارات أنطوان دو سانت إكزوبيري في كتابه «الأمير الصغير».
مَن شاهد صورتها الشهيرة وهي تقرأ كتاب جيمس جويس على الشاطئ “يوليسيس” أنكروا عليها ذلك واعتقدوا أنها تصنّعت المشهد. لم تقل مارلين يومًا إنها فهمَته بل اعترفت بغموضه ومحاولاتها لاستجلاء ما استعصى عليها.
من المعروف أن من بين الكتب التي أثرت في مارلين كتاب «النبي» لجبران خليل جبران. وقد أهدت نسخًا منه إلى أصدقائها.
في أثناء تصوير فيلم «إيف» صادفَها مخرج العمل جوزيف مانكيفيتش تتجول في إحدى مكتبات بيفرلي هيلز التي كانت تزورها بين حين وآخر غارقةً في عالمها تقلّب بين يديها الكتب. في اليوم التالي وجدها في موقع التصوير تقرأ كتابًا لريلكه؛ فعلّق مندهشًا: «ريلكه؟ اختيار مدهش! لكنه لا يناسبك!»؛ فأجابت متجاهلة سخريته: «المرعب، اسمع ما يقول ريلكه، يقول إن الجمال ليس سوى مستهلّ المرعب». تأثرت مارلين بريلكه وقرأت معظم قصائده، لكن ما أثر فيها للغاية وأفادها وساعدها كان كتابه النثري «رسائل إلى شاعر شاب». تقول عنه مارلين: «لولا هذا الكتاب لاقتنعت أني فعلًا مجنونة».
أحبت مارلين الشعر وقضت لياليها المليئة بالأرق والكآبة وهي تمر من قصيدة لأخرى. هذه القراءة كانت تناسب حياتها الصاخبة والمتحركة دائمًا، ولم تكتف بقراءة الشعر بل تجرأت على كتابته، وكان زوجها آرثر ميلر وصديقها الشاعر نورمان روستن طليعة قرائها.
لم تكن تكتب بنيّة النشر بل كي تعبّر وتفكّر عبره. سنكتشف ونحن نقرأ هذه الكتابات -التي نُشرت مؤخرًا- مارلين أخرى أخْفَتها عنا الأضواء؛ فقد كانت كما وصفها زوجها آرثر ميلر «شاعرة تقف على زاوية الشارع، تحاول أن تلقي شعرًا على جمهور يرغب في أن يجرّدها من ملابسها».
** الصورة: الشاعر كارل ساندبرغ ومارلين مونرو.