
كتب الناقد الفنيّ والإعلاميّ روبير فرنجيه:
16 شباط 2024
من إهدن إلى الشالوت في جرد بلدة كرم المهر ترافقت مع الشاعر الدكتور أنطونيو الشيخوفا فإختزلت طريقنا مسيرة خالته المطربة ماري بشارة القصيرة السنوات والمكثفة والمتشعبة الأعمال التي أوقفها الزواج والمهجر الأسترالي .
أميرة الغناء البلدي إستقبلتنا بضحكة عريضة وبحفاوة وقربها إبنها ” الناياتي ” شربل نخول الذي حولته إصابة ناجمة عن حادث من عازف ناي لامع إلى مصور فوتوغرافي مميز .
بداية الجلسة إستعدنا معاً تقديمي لها في إفتتاح إنطلاق جمعية ” منكبر سوا ” في دير مار سمعان أيطو وإطلالتها على مسرح مهرجانات إهدن ١٩٩٣ على ساحة الميدان لتكرج الأسئلة مثل مياه السواقي جارتها .
ضيافة شراب توت الضيعة وركوة القهوة سبقوا ضيافة الصوت والصدى .
إحتضن أنطونيو عوده ووقفت ماري بشارة إبنة ال٧٧ سنة أمام عدستنا الهاتفية تنشد : يا مسبحة من مسرحية “مسبحة ستي” في مهرجانات حمينا من تأليف الشاعر الراحل يونس الإبن .
لم تكن ماري راضية تماماً على ما قدمته لقد تغير صوتها كما تقول ” التعب والشقاء والغربة وتربية الأولاد والبعد ” وتضيف ” أضف لذلك أنني أهملت صوتي دون تدريب ” .
ولماذا تواصلين الغربة في الشتاءات نسألها وتجيب : صدقني لو كانت الطبابة متوافرة في لبنان مثل سدني وأستراليا لبقيت هنا كل فصول السنة لكن نحن نتقدم في السن وتواجهنا أمراض العمر فنسافر أنا وزوجي لنتعالج في أستراليا حيث كل ما نحتاجه في رحلة علاجنا نجده مؤمناً .
قلت لها أن أحد الإعلاميين واسمه مروان ناصر الدين يقدم برنامجاً في إذاعة لبنان إسمه ” الزمن الجميل ” وكلما شاهدته في أروقة الإذاعة يسألني عنك فهو يريد تخصيص حلقة تكريمية لك . لم تعد ماري بشارة متحمسة للقاءات لكنها قدرت عاطفته ومحبته وإتصلنا به حيث وجه لها دعوة شخصية وإن تعذرت فمقابلة هاتفية .
ولأن الفنان روميو لحود يسأل عنها أيضاً إتصلنا به وأخذت الهاتف تخاطبه بحرارة ” إشتقنالك يا أستاذ ” وهو يسألها إن كان صوتها لا يزال رائعاً ويستعيدان تلك المرحلة الجميلة .

هنا تحول اللقاء إلى مقابلة رسمية بوقائعها .
تقول بأنها تعتذر على الذاكرة المثقوبة وتتذكر أن مشوار إنطلاقتها بدأ ببرنامج ترجح أن إسمه ” نادي الهواة “وتجزم أنه من إذاعة لبنان الرسمية .
تستطرد متذكرة : وقفت وغنيت واثقة الوقفة والصوت العتابا لصباح وأغنية لنصري شمس الدين رحمهما الله وكان عمري ١٧ سنة وسمعت تصفيق الكبار من توفيق الباشا وعبد الغني شعبان ونقولا المني وروميو لحود ووليد غلمية وغيرهم .
جائزتي في البرنامج كانت مالياً ٢٥ ليرة لبنانية ومعنوياً وصولي إلى مهرجانات بعلبك لأتدرب وأصبح مطربة مسرحية كما سعى الشاعر الراحل يونس الإبن .
بدأت البروفات تخبر ماري بشارة وتقول كان الزمن مطلع الستينيات و”فرحتي مش سايعتني ” وكان يفترض أن أشاطر الكبيرة صباح وأنا كنت نقطة في بحرها .
كان حسب النص الموعود ثمة ديالوغ مشترك بيننا وكنت أنا من سيغني سولو ” يسلم لنا لبنان ” وكنت أسمع الكبار يهمسون ” صوتها بيهد الجبال ” إلى أن جاءت الشحرورة وسمعتني وطلبت إبلاغي في اليوم التالي ” ممنوع بنت بشارة أن تغني سولو ولا مانع من أن تبقى في الكورال” .
رفض يونس الإبن أن أكون في الكورس وكانت فرصتي الكبيرة في بطولة ” مسبحة ستي ” في مهرجانات حمينا – إهدن مع الأستاذ يونس والمخرج شكيب خوري وهناك ذقت طعم النجاح وسمعت شهادات الثناء والتقيت بالشاعر أنطوان القوال وزوجته لبيبة والمطرب المرحوم إلياس الشدراوي والمطربة أنطوانيت الدويهي والمطربة دنيا يونس وغيرهم .
هناك في حمينا أصبحت ” المسبحة ” على كل شفة ولسان وعقبها تزوجت وإعتزلت وأصبحت ماري بشارة نخول.”
يتابع الإعلامي روبير فرنجيه وصف لقائه بماري بشارة، فيكتب:
الإذاعة اللبنانية أنصفت ماري بشارة وصنفتها مطربة من صنف الدرجة الأولى واليوم تحفظ إسم كاظم الحاج علي وإسم أنطوان عون وتحفظ لهما الود والجميل .
كثيرة هي الأسماء في وجدان أميرة الغناء البلدي فهي تعاونت مع الأسعدين سابا والسبعلي ومع طانيوس الحملاوي يونس الإبن ومارون كرم وميشال طعمة و…نعيدها إلى إهدن وتحاول أن تستعيد الحوارات التي يحفظها زوجها لويس لكنها تخفق قليلاً .
تقول حين نجحت كتب عني الكثير لكن الصحف والمجلات ضاعت من أرشيفي وبقيت بعض عناوينها في ذاكرتي مثل ما قاله النقيب الراحل ملحم كرم :” ماري بشارة بعبع صباح ” أو ما عنونته إحدى المجلات حين سئلت في بدايتي ماذا تعملين فقلت بأن والدي علمني أن أكون راعية فجاء العنوان على الشكل التالي : من حلب البقرة إلى أضخم حدث فني .
تتذكر ماري بشارة حين غنت مع العملاق وديع الصافي ديو على نهر المرداشية قال لها :” لما طلعتي بالعتابا فتحتيلي قابليتي عالغنا ” وتكررت مشاركتها الصافي الغناء في كسروان .
تتذكر أمير الناي المرحوم سركيس باسيم الذي رافقها بحفلاتها على ضفاف المرداشية – زغرتا وتقول أن صوت المطربة أوديت كعدو ” حلو كتير ” وكانت في سهراتها تغني لها دون معرفة شخصية ” الليلة سهرتنا حلوة الليلة”.
وقفت ماري بشارة على مدارج بعلبك في الكورس ووجوه فيروز ونصري شمس الدين وجورجات صايغ وسهام شماس لا تفارق مخيلتها من ذاك المهرجان .كل وقفاتها المسرحية لا تضاهي بالنسبة إليها وقفة مهرجانات إهدن إذ تقول : حمينا الله على تلك الليالي . كل ليلة يغص المسرح بالهواء الطلق ب١٢ ألف نسمة وعلى مدى أسابيع .
لا أنسى صوت التصفيق الحار وأنا أنشد : إهدن يا جنة صفا وإيمان ومحبي – بتعطي المرضى الشفا وعالجود بتربي – ما عاش كل مين جفا وجافاكي يا ربي – عأرض فيها الوفا دايب مع المي ” .
كما تسترجع ليونس الإبن عن إهدن : هالجرن ل وزنه مضمون – بدو زنود ل بتلبي – ل بدو يشيله بدو يكون – شبعان بإهدن كبه .
تتحدث عن والدها الخوري إلياس بشارة بمحبة كبيرة فهو الذي جعلها منذ صغرها شغوفة بالغناء وهو رغم حبه للفن ولصوتها تحمس لإعتزالها ” فالبنت في تلك الأيام خلقت للزواج وليس للفن ” .
رتلت ماري في قداديس وزياحات والدها ” الأبونا ” وفي رتبة دفن السيد المسيح في زغرتا بطلب ملح يومذاك من الخوري فرنسيس يمين .
غنت من شعر والدها الأغنية التي كان يؤديها شقيقها المطرب المرحوم بطرس بشارة والتي أصبحت بمثابة نشيد بلدة ” كرم المهر”وهي :
أثمن شيء الحرية عند الإنسان – عيشة حلوه ومرضيه بخوف الرحمن – أرزة لبنان أرزتنا والإسم كبير – ما منغير عادتنا لو مهما يصير – وطالما الوحدة غايتنا والله النصير – ما بتتنكس رايتنا طول الازمان ” .
٢٩ سنة عمر غربة ماري بشارة في أستراليا حيث بقيت تحيي كل سنة حفلة للجاليات .
٢٩ سنة أثمرت عائلة تشبهها بشغف وعشق الفن مؤلفة من :
بسام عازف كمان – شربل عازف ناي ومصور فوتوغرافي – ميشال عازف قانون – وليد مطرب برز في أستديو الفن بإنتزاعه ميدالية ذهبية لكنه فضل لقب مهندس بناء على لقب مطرب ليستمر بالغناء متى يشاء .
أولاد ماري بشارة فرقتها الموسيقية وإليهم إبن شقيقها جان بيار ( إسمه الفني وليد ) الذي شكل بروزاً في The voice وكذلك أولاد شقيقتها أنطونيو و إيفي و ألان الشيخوفا في العزف والغناء .
الأميرة لا تعلم من أطلق عليها لقب ” أميرة الغناء البلدي ” لكنها سعيدة بهذه الإمارة وهذا العرش .
المصدر: صفحة صوت أهدن والقضاء