
بداية من هو إسلام أبوشكير ؟:
هو قاص وروائي وصحفي سوري من مدينة البوكمال (من مواليد 1966)، يقيم حالياً في الإمارات العربية المتحدة . يتميّز بأسلوب يمزج بين الواقع والفانتازيا ويعتمد التجريب لخلق نصوص عميقة تلامس الذات والذاكرة
📚 أهم أعماله:
• 30 > 43 (مجموعة قصصية، 2009)
• استحواذ (قصص، 2011)
• الـ O سلبي الأحمر والمشعّ (قصص، 2012)
• القنفذ (رواية، 2013)
• الحياة داخل كهف (المرايا / الصور التذكارية) (قصص، 2016)
• زجاج مطحون (رواية، 2016)
• أرملة وحيد القرن (قصص، 2019)
• خفّة يد (رواية، 2020)
• العاوون (رواية، 2022)
نبذة عن بعض الأعمال:
خفّة يد (2020): رواية تخلط بين عدة شخصيات في حبكة تشبه المتاهة، ويغلب عليها التشويش الذهني والارتباك، مع تبادل العلاقة بين الحضور والاختفاء .
العاوون (2022): رواية تمزج الواقع بسحر فانتازي، مثل شخصية الطفل المولود بجناحين وسط ظروف الحرب السورية، بهدف تحفيز القارئ وتأمل الواقع من زاوية مختلفة .زجاج مطحون (2016): نوفيلا تستكشف الذات عبر تشظّي الشخصية وسخرية مضمّنة، بدون تركيز صارخ على الخيال الصرف .
✍️ رؤيته الأدبية:
• يرى أنّ الكتابة تتشكل من عوامل متشابكة (الأسرة، الثقافة، البيئة)، وكان لديه تأثر قوي بالكتاب في محيطه قبل أن يبدأ الكتابة بنفسه .
• يتميز باستخدام التقنيات التي تروض الخيال بطريقة تجعله يبدو قريباً من الواقع، مع الحفاظ على أساسه السببي .
• لا يهتم بتصنيفات العمل (رواية أم قصة). إنما يركّز على الغرض من النصّ ومدى فاعليته .
• يرى أن السخرية أداة تعزز موقف الشخصية وتمكن القارئ من رؤية خلفيات النصّ .
• لا يتبنى السطحية أو الإرضاء السهل للقارئ؛ بل يراها شراكة في تحدّي الأدبيات السائدة، حتى لو رافقتها بعض التعقيدات أو الالتباسات .
إسلام أبو شكير يُعد من الأصوات السورية المعاصرة المتميّزة، التي تسعى لتوسيع آفاق القصة والرواية بتجريب وتوظيف أدوات سرد عميقة ومعبرة.
رواية “العاوون” للكاتب السوري إسلام أبو شكير تنتمي إلى الأدب الرمزي والفانتازي، وتعد من الأعمال الحديثة التي تتناول عوالم الحرية، الاغتراب، والقمع المجتمعي.
“العاوون”، قصة قصيرة تحمل بصمة أبو شكير المعتادة، مكتنزة بالمعاني متعددة الطبقات، في عالمٍ سحري مشحون بالرموز والدلالات وقابلة للقراءة على أكثر من مستوى تغوص في تعقيدات الوعي الإنساني حيث لا تخلو لغة أو شخصية أو حدث من معنى خفي يتجاوز ظاهر الحكاية.
حكاية مشحونة بالرمزية، يختمها بإغلاق متعمد على نغمة واقعية قاتمة.
في هذه القصة، نحن أمام طفل يولد بجناحين، فيكون مصدر غرابة وإزعاج لوالديه ولكل من حوله و سريعًا تتحول هذه الخصوصية إلى مشكلة يجب التخلص منها، فالمجتمع لا يتقبل ما يخرج عن المألوف، وتقترح على الأب حلولا تمحو هذا “الشذوذ”. وحده الطفل، الذي لا يُعرف باسمه بل يشار إليه فقط بـ “الصغير”، يتمسك بجناحيه، متمسكًا برغبته في الطيران، تلك التجربة التي تذوقها بمجرد خروجه إلى الحياة. لكنه يُجبر لاحقًا على التنازل عنها ليصبح طفلًا “عادياً”، مقبولًا في مجتمعه الذي يركض خلف تفاصيله اليومية بلا أحلام…
جمالية النص في أنه قابل للقراءة على أكثر من مستوى، فكل قارئ قد يرتب طبقاته السردية وفق خلفيته الفكرية والثقافية. بالنسبة لي، قرأته أولا من زاوية نفسية: الطفل هنا هو مشروع حلم يولد في وسط فقد القدرة على الحلم، فيغدو علامة غريبة وسط جماعة تُصرّ على محو هذا الحلم ومحو الاختلاف، ليذوب في قطيع تم تسطيح فكره وتبليد إحساسه.
وكل طفل، كما في القصة، يُختبر بقدرته على الصمود أمام ضغط جماعته — تلك التنمية الاجتماعية القسرية — أو التكيف معها على حساب ما يميزه.
أحببت هذه النوفيلا كثيرًا، وأحزنني مصير “الصغير” الذي خسر جناحيه، وفقد قدرته على الطيران، ليصير مجرد فرد آخر في القطيع و من زاوية أخرى نجد أنه في زمن تاهت فيه المفاهيم، قد يتحول صوت الحرية إلى مجرد “عواء”، مثلما صارت الخيانة وجهة نظر، والقتل زُعم أنه ضرورة جمالية! في عالم يُقولَب فيه البشر، وتُغسل أدمغتهم وتُنمّط أرواحهم، يصبح كل صوتٍ مختلف — مهما كان حقًا — محض عواء لا يُسمع.
في زمن انحنت فيه الرؤوس بحثًا عن لقمة العيش، ونسيت العيون أنها خلقت لتنظر إلى الأعلى، تفقد الدموع حرارتها، ويصبح الأنين مجرد إيقاع مألوف… عندها ربما لا يبقى سوى العواء كخيار أخير! يقول إسلام أبو شكير على لسان أبو محارب “هنا لم يعد بين الناس من يمتلك الوقت لينظر الى الأعلى بحثًا عن شخصٍ طائر. رؤوسهم جميعًا الى الأسفل. الى الأسفل فقط. يبحثون عن لقمة الطعام.. في هذه الأيام، قطعة خبز يابسة في كومة قمامة هي ثروة .. ثروة أكبر مما قد يخطر في ذهنك.”
وفي زمن يخنق فيه التربويون والمجتمع بذور التغيير، ويُربّى الأطفال على اجترار الخوف وتقديس الماضي، لا عجب أن يكون العواء هو الصوت الوحيد القادر على اختراق هذا السكون المشوَّه ❞ لو أنّهم تركوا لي هذا الحقّ فقط. أن أصرخ. أن أطلق طاقة الألم الرهيب التي تجمّعت في أحشائي. لقد شعرتُ بجوفي مضغوطاً من الداخل. دوّامةٌ من نار تتحرّك هنا، تسوط كلّ خليّةٍ من خلايا جسدي.
لم أكن بحاجةٍ – إلى أكثر من صرخة. صرخة فقط.” “التحديات كثيرة في الحياة، ومنها ما يبدأ منذ اللحظة الأولى، لحظة الولادة” فنحن نولد أحرارًا، نحمل في صرختنا الأولى بذرة الحرية، نمدّ أجنحتنا ونحلّق بها قدر ما نستطيع… لكن قليلون فقط من يستطيعون الاستمرار في هذا التحليق.سرعان ما تُقمع أصواتنا، تُقص أجنحتنا، وتُكبّل حتى لا نرتفع عن الأرض. يبدأ الخوف بالتسلل إلى داخلنا ( خوف مجتمعي ، ثقافي، فكري ، و حدث و لا حرج ) ، لا لأننا خُلقنا به، بل لأنهم زرعوه فينا منذ اللحظة الأولى — الأهل أولًا، ثم الجيران، ثم المجتمع بأسره لا نولد بالخوف، ولا بالقلق أو التردد، لكنها بذور تُغرس في الطفولة، وتُسقى كل يوم بتجربة مؤلمة أو حدث مُحبِط، حتى نصبح في نهاية الأمر مجرد خوف يمشي على قدمين
❞ الخوف يتملّكني دائما… الخوف من مقصّاتِ الرعاة التي حدّثتَني عنها… الخوف من بنادقِ الصيّادين التي حدّثني عنها أبي… الخوف من القططِ الجائعة التي حدّثتْني عنها أمّي… ومن أعمدةِ الكهرباء التي يمكن أن أصطدم بها… والصحراءِ الواسعة التي قد أضلّ فيها طريقي… والغثيانِ… والجوعِ… والعطشِ… والسقوطِ… وتحطّمِ العظام… ❝
“الألم بصمت هو أسوأ انواع الألم.. وأقساها.. وأشدّها شراسة وتوحشًا.. أبشع ما فيه ان له جذورًا تنغرس عميقًا وبعيدًا، بحيث يستحيل التخلص منه بعدئذِ. استكثروا علي أن يكون لألمي صوت يتنفس به ،لم يمنحوني الفرصة كي أتألم بحرية ..تركوا لي صرختى مخنوقة.. صرخة لم يقيض لها أن تأخد فرصتها في أن تدوى كما يجب ،فارتدت إلى الداخل وعلقت هناك .
تلك الصرخة أشعر بها تفترس أحشائي ..
تلك الصرخة اللعينة تكبر وتزداد شراسة و توحشاً،وتتصلب أيضاً..
هى اليوم في ثقل الصوان وكثافته ،ولها أسنان مدببة كالمسامير تنهشني طوال الوقت .”
❞ عندما حرّروا فمي من قطعة القماش كانت الصرخة قد ضلّت طريقها داخل جسدي إلى الأبد كان الوقت قد تأخّر، فانغلقت عليها روحي، ولم يعد بوسعها الخروج ما خرج كان أنيناً رخواً واهناً لا يكاد يسمعه أحد، يشبه كثيراً عواءك عندما كنت على الشجرة هناك لن تتذكّره طبعاً؛ لأنّك كنت ما تزال رضيعاً كان عواءً ممطوطاً غامضاً يصعب معرفة ما يقود إليه، أو يكشف عنه بالضبط. ألم، حزن، رعب، ذهول، فراغ. أشياء من هذا القبيل. ما ميّز عوائي عن عوائك أنّه كان ينضح دماً. ❝
في هذه الرواية المتفردة، ينجح الراوي، عبر رمزية محكمة، في تصوير القدرات الفطرية التي يحملها الإنسان في داخله، تلك التي تخوّله التحليق إلى آفاق لم يبلغها أحد من قبله. كما يكشف ببراعة عن القيود التي تشلّ الإنسان، سواء جاءت بدافع الحب والحرص، أو بفعل الخوف، أو عبر رفض كل اختلاف وكل ما يُنظر إليه كخروج عن المألوف والقواعد الراسخة.
هذا الشوق إلى الحرية يبدو هنا حاجة فطرية متأصلة في الإنسان. لكنه قد يذبل أو يُطفأ تحت القمع والعنف — كما حدث مع “أبو محارب” — أو يذوي تحت وطأة التردد والضعف — كما كان الحال مع “الصغير”.
أما “العواء”، فهو ليس سوى صرخة المقهور، صوت المظلوم الذي انتُزعت منه رغبته في الصعود والتحليق، وحُوصر داخل حدوده الضيقة.
يصعب اختزال البعد الفلسفي والتربوي في هذه الرواية لأنها تفسح المجال أمام قراءات متعددة وتأويلات مختلفة.
أسلوب الكاتب يمتاز بالسخرية السوداء، واستخدام الرمز بجرأة دون إفراط أو غموض، لتظل الدلالات شفافة وقريبة من واقع القارئ. الشخصيات تحمل معاني أوسع من وجودها القصصي، فـ”الصغير” يمثّل البراءة والحلم، فيما يمثل “أبو محارب” صورة فادحة للقمع المجتمعي على نحو ساخر وأليم في آن.
يقول المهاتما غاندي
“الحرية هي روح الإنسان وأنفاسه، فكم ثمن هذه الأشياء”
ويقول أسلام ابوشكير
“جناحاك. حاول ألّا تفرّط بهما أيّها الصغير”.
بقي شيء أخير مؤلم لم أستطع تجاوزه وهو تصوير سرقة جزء من الجسد بمشهد أقرب لمشاهد الإغتصاب، استوقفني حقيقةً ليس لأنه وعي عميق يكشف قدرة المؤلف على رؤية الألم و تصويره بل لأني لم أتخيل رجلاً يفهم الإغتصاب فهما مباشراً ، وأضاف إسلام ابو شكير على المشهد المخيف ردة فعل أهل الضحية المتوقع .. الهروب إلى مكان حيث لا يعرفهم أحد .
يرى العديد من النقاد أن “العاوون” ليست حكاية عجائبية فحسب، بل صرخة ضد التدجين الاجتماعي والثقافي، وكشفًا لازدواجية القيم السائدة التي تمجد الخضوع وتجرّم أي محاولة لمقاومة الصمت. الكاتب دمج ببراعة بين الواقع والخيال، مستخدمًا لغة مكثفة تدفع القارئ للتساؤل عن معنى الحرية وحدود القمع في حياة الفرد.
الرواية باختصار، رحلة وجودية تعكس صراع الإنسان العربي المعاصر مع سلطة تريد اجتثاث جناحي روحه، ليبقى في نهاية الأمر بين خيار العواء الصامت أو الاستسلام الكام
فانتازيا ملغمة بالرمزيّات، تترك لك حرية التفسير.
مراجعة : شهيرة إبراهيم التركماني
٢٠/٧/٢٠٢٥