طلال السُكرّ
بينما أكتب هذه السطور عن المؤسسة الإعلاميّة العريقة “تلفزيون لبنان”، يعود بي شريط الذكريات إلى الماضي الجميل، يوم كنتُ يافعاً، وشاهدًا في الوقت نفسه على جيل عربي واكب هذه المؤسسة التي كانت تُدعى في حينه “تلفزيون لبنان والمشرق” وذلك في نهاية سبعينات القرن الماضي
كنت حريصًا أشدّ الحرص على متابعة برنامجي المفضل على تلك الشاشة “المصارعة الحرة”، أذكر جيدًا كيف كنّا نجهّز أنفسنا لمتابعته في تمام الساعة الثامنة من مساء كلّ يوم سبت، يسبق ذلك بعض الوقت نقضيه في إعادة توجية وضبط “الأنتين”، قبل الساتلايت بسنوات عديدة
لقد ساهم تلفزيون لبنان كأول محطّة تلفزيونية في الشرق الأوسط في خلق وجدان عربي مشترك. عبر شاشته، أطلّ على الجمهور العربي رعيلٌ من الفنانيين اللبنانيين، وصنع في استديوهاته الدراما اللبنانية، دراما عكست الحياة الإجتماعية بصناعة تلفزيونية امتازت بجودة عالية وبحرفية متناهية، فشكّلت هذه المسلسلات قيّمة فنيّة راقية، لا إسفاف فيها ولا إبتذال ولا عري، وعكست البعد الثقافي للقيم الأخلاقية والأدبية. وذلك من خلال نجوم لوّنوا أمسيات اللبنانيين والعرب، وما زالوا في الذاكرة، أبرزهم «أبو ملحم» و«أبو سليم» و«أبو المراجل» و«دعيبس» و«شوشو» وهند أبي اللمع غيرهم. أمّا أبرز المسلسلات فهي «حكمت المحكمة» و«المشوار الطويل» و«آلو حياتي» التي لاقت نجاحًا لبنانيًا وعربيًا منقطع النظير. فضلًا عن الأمسيات الملاح والبرامح الفنيّة وبرامج الهواة التي قلدّها لاحقًا العديد من القنوات التلفزيونية. تلفزيون لبنان الذي خرّج أهم الكوادر الفنيّة والإعلاميّة التي أغنت الشاشات اللبنانيّة والعربيّة، يمتاز بأرشيف غنيّ بمحتوى درامي وبرامجي يعدّ بآلاف الساعات المسجّلة، هذا الأرشيف هو بمثابة كنز وطني فريد، وقد أبدت فرنسا اهتمامًا بحفظه ورقمنته، وتمّ مؤخرًا توقيع اتفاقية بهذا الصدد بين وزارة الاعلام اللبنانية وإدارة تلفزيون لبنان والمعهد الوطني للمرئي والمسموع في فرنسا
وعلى الرغم الأوضاع الحاليّة والأزمة الماليّة والإقتصادية التي يمر بها لبنان، لا زال تلفزيون لبنان صامدًا يقاوم ظروفه الصعبة، ولا زال يحظى بمتابعة كبيرة، نظرًا لوجود كوادر بشرية ذات كفاءة عالية
تلفزيون لبنان والذي تمّ تأسيسه على ثلاث مراحل، الأولى منه كانت عبر شركتين خاصتين بالكامل نهاية خمسينات وبداية ستينات من القرن الماضي، الثانية في سنة 1978، بشراكة مُختلطة مُناصفة بين القطاعين العام والخاص، تحت إسم ” تلفزيون لبنان”. أما المرحلة الثالثة، والتي اتفق على تسميتها بمرحلة الدمج، التي كانت في العام 1996، التي يومها استحوذت الدولة اللبنانية على أسهم القطاع الخاص، وبذلك أصبح مملوكا بالكامل للدولة اللبنانية
وفي العودة لتاريخ تلفزيون لبنان بعراقته وكوادره المشهود لهم بكفاءة العمل على نظرائهم في المحطات العربية، كان في العام 1954، يومها تقدّم رجلا الاعمال يحملان الجنسية اللبنانية، “وسام عز الدين والكس مفرج”، بطلب لانشاء شركة بث تلفزيوني. وفي شهر آب 1956 تمّ توقيع اتفاق مع الحكومة اللبنانية من 21 مادة، اعطيت بموجبه ” شركة التلفزيون اللبنانية ” ترخيصا” للارسال التلفزيوني لمدة 15 عاما”، حسب معلومات منشورة على موقع تلفزيون لبنان
منذ العام 1978 تعاقب على منصب رئيس مجلس الادارة المدير العام لتلفزيون لبنان السادة: شارل رزق – موسى كنعان – ريمون جبارة – جورج سكاف – فؤاد نعيم – جان كلود بولس – ابراهيم الخوري – ومن ثم طلال المقدسي الذي عيّن بصفة حارس قضائي- توفيق طرابلسي وحالياً السيدة فيفيان لبس