الشعر الشعبي نوافذ مفتوحة على الروح لا يأتي منها سوى الهواء العذب وعطر الرياحين.
كما نعرف ان الشِعر أحد مجالات عالم الأدب والكلمة، وأحد أهمّ الأساليب الأدبية التي يُعبّر من خلالها الإنسان المُثقف أو الموهوب عما يدور في داخله، وما يعتمل في صدره من أحاسيس ورغبات، باستخدام الوصف، وترتيب المعاني، وهناك أنواع كثيرة للشِعر تختلف باختلاف اللغة والثقافة، ففي اللغة العربية هناك الشعر العمودي، وهو أساس الشعر العربي والأصل الأول، الذي انبثقت عنه أنواع الشعر الأُخرى، وهناك الشعر الحرّ وكذا الشعر النثري، والشعر الشعبي الذي هو موضع دراستنا، وهو كما في تعاريف الشعر، انه ملفوظ مرتبط بالتذوق والأحاسيس واللغة واللسان والمعرفة والثقافة ولا يشترط توفر هذه الأنواع دفعة واحدة بنسب متساوية، بل قد تكون متباينة من حين لاخر، فهو محاولة لترجمة ماهو داخلي من تصورات وأفكار، ومن ثم نقلها إلى الآخرين باستعمال مفردات اللغة، والشعبي التي تعني ”الشعب ” باعتباره مجموعة من الأفراد الملتفين حول هدف واحد، يعيشون على إقليم متعدد ومنفرد، تجمعهم خصائص مشتركة ويستمدّ كلماته، وألفاظه، وطريقة أدائه، ومعانيه، وأسلوبه، مِن الحياة العامّة أو الشعبيّة، حيث يكتب بكلمات من اللهجة المحكية بين الناس، والشاعرة وفاء عبدالرزاق خاضت غمار الشعر العربي بنوعيه: الفصيح والعامي، وحققت نجاحات في النوعين ونقلت افكارها للمتلقي العربي، ومن خلال متابعتي لها، الاحظ انها تركت اثرا له بصمة، لا نشك انها بصمة وفاء عبدالرزاق، وتأتي قصيدة (حظوظ) الشعبية، لتضيف لمنجزها اضافة اخرى، حيث حملت صراعات الهم الانساني، فان حضارتنا المعاصرة، هي حضارة صراع نفسي داخلي، بين متطلبات الحداثة والتجديد، وبين الاحتفاظ بما يمكن ان يبقى من الامس من اشياء وحاجيات ونزعات تتعاكس مع التطور السريع وتشبثنا بها، كعلامات تذكرنا بالاخرين الذين رحلوا عنا وتركوا فينا الكثير من لمساتهم الخاصة، فهل نتركها ونجري مع الاحداث، ام نبقى نسير بسرعة البرق مع التطورات الحديثة؟، وقد تكون فوضى اشباع الرغبات والمحافظة على التوازن النفسي والموضوعي، يقود صراعا قائما في كتابات الشعراء، وبالتالي الاحتفاظ بثروتنا الثقافية .. فالشاعرة وفاء رغم انها مهمومة وتحمل ألاماً كثيرة، الا ان ألامها وهمومها الإنسانية تطرحها بوعاء جمالي، تقول :
(نام اللَّيل بالوردة بحِلَم مرتاحْ
اوْ يَخيعُون البلحِلِم يحظى
وحوى الغَمْضة
الصُبُح جاهل ضوا مرتاب
سُوادين بجدايل سود
وطَيَشْ مْسُودنَة الفضَّة
ينهض
يعثر بنَهضَه
نام الَّليل بالوردة
بحلم مرتاح،،)
من المعروف بان الليل يحمل بطياته مشاعر وأحاسيس الحزن والفرح، فهو يتصف بالسكينه والهدوء والراحه بعد جهد وتعب ….. فتراه يلملم أفراحه أو ألامه، التي خاضها خلال يومه او يجمع ذكرياته، يجول مع صفاء الروح والنفس ومع تفرده بنفسه وعالمه، فتراه ينظر للسماء مع ضوء القمر وتلألأ النجوم او مع تساقط حبات المطر وترنيمها الرائع في السكون، فيندفع ليعبر عما يجول بخاطره، هذا الليل في الرؤية العامة، لكن رؤية الشاعرة وفاء لاتكتفي بهذا، بل تتعدى الى الحلم بامنيات غمضة الجفن، بمعنى ان الشاعرة تتمنى النوم ولو سِنة، لكن انّى لها هذا النوم، وهي تتقلى بمقلاة الوجع والهم، ورغم كل هذه الاوجاع والاوصاب لاتبتعد كثيرا عن استحضار الجمال، أو على الاقل لابأس هي تتوجع، بيد ان هناك الليل ينام بالوردة وبحلم مرتاح، أي ان الشاعرة حاملة لكل الهم الانساني، سواء المحمول حزين، أو المحمول فَرح، أي انها تعيش الهم الانساني بكل تفاصيله .. تقول الشاعرة وفاء عبدالرزاق :
(گضى نِصّْ العمر مهدود
لحظة معاركة الَّلحظة
هاوَنْ والضلع رضَّة.
أواسي العين زعلانة
مغتاظ الغُمَضْ بيها
بخار ونار الملم بيه
من اهدِّه ينازع بنبضه
جمر هدَّه وجمر خضَّه
رعشة برد بجفوني؟
لو رعشة سهر وگزاز
بين رموشي يتشظَّى؟)
وتستمر تعالج الهم الذاتي، الذي يختلط بالهم الموضوعي، وهذا يجعلني ان اقول في انتاجها الادبي، انه انتاجا ادبيا مفتوحا على الهم الانساني، لذا فعندها مقاومة الوجع الذاتي، انموذجا لمقاومة اوجاع الانسانية، (فحين نتحدث عن الحب نقاوم الكراهية، وحين نتحدث عن الماء نقاوم اليباس وحين نتحدث عن النهار نقاوم الظلام، وحين نتحدث عن الوطن نقاوم المنفى وحين نتحدث عن الله نقاوم الشيطان،)، فكانت الشاعرة وفاء عبدالرزاق شاعرة تحاول مسك العصا من الوسط، او هي كالجندي المجهول، تعطي ولا تنتظر المقابل، المقابل الوحيد، الذي تعشقه، هو زراعة الجمال، اينما حلتْ …
قصيدة ( حظوظ ) للشاعرة وفاء عبدالرزاق
( حظوظ )
نام اللَّيل بالوردة بحِلَم مرتاحْ
اوْ يَخيعُون البلحِلِم يحظى
وحوى الغَمْضة
الصُبُح جاهل ضوا مرتاب
سُوادين بجدايل سود
وطَيَشْ مْسُودنَة الفضَّة
ينهض
يعثر بنَهضَه
نام الَّليل بالوردة
بحلم مرتاح،
عَلى مخدَّة سؤاله
التفَّتْ الومضة
يتكالَب فراش الليل
خفَّاش الچراچف
والغطى يعضَّه
گضى نِصّْ العمر مهدود
لحظة معاركة الَّلحظة
هاوَنْ والضلع رضَّة.
أواسي العين زعلانة
مغتاظ الغُمَضْ بيها
بخار ونار الملم بيه
من اهدِّه ينازع بنبضه
جمر هدَّه وجمر خضَّه
رعشة برد بجفوني؟
لو رعشة سهر وگزاز
بين رموشي يتشظَّى؟
صدگ لو گالوا الأياَّم
بالظلمة خَمُطْ عِميان
كلمن بخته وحظَّه
مالح يا مطر دنياي
لا راضي بسماه يطوف
لا يسگي صُبَخْ أرضه.