سمر كلاّس
رغم أنًي لم أكن أعِي مدى جمالها، لكنّها استطاعت أنْ ترسمَ بعفويةِ رونقها، شكل الودّ في القلب. كنتُ أشعر بأنّي ابنة الشّمس، وأنّ القمر يقتبس ضوءه من نوري. لكنّي حين رأيتها، أدركت أنها سرّ قوتي آنذاك. وما ضوئي إلا انعكاس نورها. طفلة مثلي يليق بها كلّ جداول مائها، وبرغبةٍ مُلّحة أترفّع عن كلّ من يحاول لعبّ دور البطولة في صورة يلتقطها برفقتي. كنتُ لا أحاول أن أستسلمَ لرغبتي في ركوب المركب الذي أحبّه، والسير في أعماق هذه المدينة من أجل صورة. لهذا كانت تنطفئ البهجة في كلّ الصور. كلّما مرّت بذاكرتي، تُشّعُ الرّوح، ويفيض قلبي بالحبّ، ويمتلأ بالحنان. كنت أوزّع على المدينة طاقة إيجابية عجيبة
بدأت أشعر بضرورة أنْ أبقى طفلة مهما كبرت. وحين كبرت، صرت أشبه البحر، وكنتُ أحلم بأن أضمها تماماً كما يفعل البحر. وبعدها اكتشفت أنّي من صلبه وما أتيتُ إلا لأبتكرُ حبلاً لوصالها، وأطلق في جداولها عنان الضحكات. وكانت مدينة تجيد لعب دورها في ملامح وجهي وتعيد إليّ سلامه، حتى أصبحت هي سرّ ابتسامتي، تلك التي يعشقها الجميع على فمي. هي مَنْ جعلت مني شخصاً يحبّ الأشياء التي لم أتقبلها يوماً. فكانت محطتي الأولى لكلّ نجاحاتي. أنا لا أبالغ، إنها الميزان، وإن اعتقدتَ غير هذا! فأنت لا تجيد استخدام الميزان بشكل صحي
وحين أغرقت المياه مدينة البندقية، وتصدّعت قصورها، خفت عليها من الغرق، فهي الآن تعاني من شيخوخة أحدثتها الطبيعة. وكلّما ازداد منسوب البحر ارتفاعاً، وأعلنت المدينة حالة الطوارئ ازدادت مخاوفي، كيف لا وهي المدينة التي وهبتني الحنان وعلمتني معنى الرومانسية. وحين أعلنت الحروب شرورها، صرت لا أحب اسم البندقية، فالبنادق كثرت وارتفع منسوب الدماء في بلداننا. صرت أميل إلى اسم فينيسيا، فحرف الياء فيه نبع للحنان
باهتة هي الأيام دون أن أراها. بشعة تلك هي المسافات وهذه القيود التي تجبرنا على حياكة الخيال وسط ضجيج الحروب وهذه الأوبئة! كيف لا أشعر بالغربة وكنتُ قد اعتدت أن أسافر إليها كلّ عام