كانت ليلة البارحة مهرجان ثقافي طاف بنا في دوحة الشعر و تمرُد الشاعر الاردني الكبير مصطفي وهبي صالح التل الشهير بـ(عرار) من خلال تكريم الشاعر و تسليط الضوء علي اعماله الشعرية التي توضح بشكل جلي شخصيته المتمردة وقد حاضر و حضر الندوة نخبة من العلماء و الاكاديميين والمهتمين بامر الاداب والثقافة والفنون من انحاء الوطن العربي والمهاجر المختلفة وقد ذكرتني الامسية باغنية سودانية احتفالية تقول:-
ليلة كانت ليلة في جنة الفردوس شُفنا فيه ملائكة تحف عريس وعروس
فقد رأينا في تلك الامسية العريس (عرار) و شعره وسيرته التي كانت عروس في غاية الجمال و اجتماع التضاد والالوان المختلفة بقوس قزح وجمال تشكيله وقد ابدع المتحدثون في احياء ذكري الشاعر بل احيوا الرجل من قبره و مشي وحكي بيننا من خلال ما طرحوه .. و بعض الفعاليات تُشبه (استدعاء الأرواح) تعيد الوجوه التي رفضت أن تموت مهما طال الغياب
وهكذا بدا لي الامر حين احتفت (الغرفة 19) بالشاعر الأردني العربي (مصطفى وهبي التل (عرّار)
فالاحتفاء بـ(عرار) يشبه تماماً فتح نافذة على زمن آخر زمن كانت فيه الكلمات تُقال بلا خوف ولا انكسار والأفكار تسير بلا إذن للمرور وتسكن الوجدان..
وهكذا فعل المحاضرون د. مراشدة والمبدعة الجميلة د. دورين التي قدمت بحثاً معتبراً واضاءت عن حياة الشاعر و اضاءة عن الاسرة قدمها من نسلها ا الاستاذ الاعلامي تحسين التل و اضافات واضاءات وما قدموه في تلك الندوة، لم يكن حديث عن شاعر مات و رحل … بل عن شاعر لم ينتهِ بعد .. كان الحضور أشبه بقراءة جديدة لشخص ظل حياً عبر قصائده، عبر صوته الذي لم يألف الانحناء، وعبر لغته التي ظلت تُصالح بين السخرية والوجع، بين الخمر والحرية، بين الشعب والقصيدة لقد أعاد هذا التكريم وضع (عرّار) في مكانه الطبيعي شاعراً للناس لا شاعراً وشعراً محصور في الكتب فقط…
لذا ادعوكم للمتابعة ما دار بالندوة علي الرابط ادناه ورغم طوله لكنه ممتع جداً
رابط غرفة 19 تكرّم الشاعر الأردني مصطفى وهبي التل “عرار مع نخبة من الأكاديميين
لا يمكن أن يذكر الشعر الأردني دون أن يقف اسم (عرّار) في المقدمة شاعر نشأ في إربد، ومضى في حياته بين التضاد والتناقض ..و اشعاره مرة ساخرة، مرة جريئة، ومرات كثيرة متمردة على السلطة والمجتمع واللغة…
كان شعره خليطاً من
نزعة (صعلوكية) واضحة، رغم انه ابن (وزير) ووالد رئيس وزراء سابق ومن الاسر المرموقة و ذات المكانة الاجتماعية الا انه انتمي الي محبة للناس البسطاء، وانحاز للمهمشين ، و (خمريات) جريئة لا تشبه إلا نفسها .. و امسيات الغجر و ليالي الحرية و الرقص والطرب …
ولهذا كان (عرار ) دائماً شاعراً (غير قابل للضبط) شاعراً لا تكفيه الفهارس ولا المناهج، ولا تلك القوالب التي تحاول أن تسجن الشعر في شكل واحد و نمطية مملة
و اختيار الغرفة 19 لـ( عرّار) لم يكن تكريماً لشاعر فحسب، بل اعترافاً بأهمية الجيل الذي حمل اللغة بيد و الموقف بيد اخري و مضى دون أن يُراجع دفتر حساباته…
الشاعر (عرّار) قد تم تكريمه من قبل ALECSO (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) باعتباره (رمزاً عربياً للثقافة لعام 2022)
و احسب ان اختيار (عرار) للتكريم من قبل (الغرفة 19) لم يات من فراغ لأننا نحتاج إلى شاعر يقول الحقيقة (بلا مكياج) نحتاج إلى صوت لا يخاف من ضحكة الشاربين وخمرهم ، ولا من عبوس الواعظين وعظاتهم، ولا من صمت الساسة .. نحتاج إلى نص يقول إن الشعر يمكن أن يكون حراً حتى وهو يُساق إلى المنفى، وإن اللغة لا تموت ما دام فيها متمرد واحد و لهذا يبدو الاحتفاء به اليوم وكأنه تذكير غير معلن بأن الثقافة ليست امتداداً للسلطة، بل امتداد للإنسان .. للحرية .. وللنبرة العالية التي يخشى منها البعض…
من الاشياء الجميلة والتي لفتت انتباهي هي التنوع الجميل في عالمنا العربي حيث اخذ اسم (عرار) حظاً وافراً في الحديث عن معانيه ودلالاته لكن تحدثت استاذة فاضلة من العراق افادت بان كلمة (عُرة) عندهم تعني الفتاة قوية الشخصية والمتمردة والمفارقة ان ذات المفردة في السودان تاخذ معني الرجل ضعيف الشخصية (العرة او العرور) ..مما جعلني اخرج بالمعادلة التالية واجعلها استفهاما اختم به مقالي
هل يعني ذلك ان :-
المرأة القوية تساوي الرجل الضعيف في عالمنا العربي؟؟
واختم بشعر من البادية في السودان يعرف (بالدوبيت) ربما تتضح منه معاني (العرور او العرة) بعيداً عن شاعرنا الكبير (عرار)
مافينا (العرور) الفي منامو مجلخ في بيت العوين وسط البنات متفلخ
اي ليس بيننا (العرور) ضعيف الشخصية الذي ينام بطرقة لا تليق بالرجل ودوماً تجده يجالس البنات بالمكان المخصص للنساء …
سلام
محمد طَلَبْ
mtalab437@gmail.com
