كتاب التحولات السردية في الأدب الإماراتي. د. مريم الهاشمي
كتاب التحولات السردية في الأدب الإماراتي للدكتورة مريم الهاشمي الحائز على جائزة العويس للإبداع عن فئة أفضل كتاب عن الإمارات إن هذا الإنجاز المشرّف يعكس تميّزها العلمي وإسهامها الرصين في إثراء المشهد الثقافي والأدبي الإماراتي، ويؤكد دورها الفاعل في خدمة البحث النقدي والمعرفة.
تتعدد أوجه الخطاب الروائي وتتنوع اتجاهاته النقدية في الرواية الإماراتية من حيث المضمون والمعالجة بما ينتج عن الواقع العام للمجتمع ، فالنص الروائي يعتبر من أكبر التنوعات اللغوية بالنظر إلى موضوعاته ، وذلك نتيجة للتنوع الاجتماعي والنفسي والأيدولوجي الذي يصدر عنه ، فهي تتعامل مع التصورات الذهنية في الحقل الأيدولوجي والثقافي . وتتباين أهمية تشكيل الوظائف الحكائية بين السرود شديدة الوظيفية كالخرافات الشعبية وبين السرورد شديدة القرينية كالروايات السيكولوجية ( النفسية ) ، ولذلك فالوظائف الحكائية ليست على درجة واحدة من الأهمية تبعا لدرجة فاعليتها في النص .
وإن دولة الإمارات من المجتمعات السريعة التغيير والأكثر انفتاحا على الآخر ، بحكم الاندماج والتنوع الديموغرافي ما أثر بطبيعة الحال على التعبير عن الواقع ، وعن الذات بصوره المختلفة ومنه اللغوية الإبداعية لتزدهر الرواية وتتعدد أنواعها وتتسع أغراضها وتختلف أساليبها وتتدرج مستوياتها ، وتتنوع مصادرها وتتسارع في تطورها ، ورحابة مجالاتها ، وتمردها على القوالب واستيعابها لكثير من عناصر الفنون وانتشارها في كل الآداب المعاصرة، ويمكن القول بأنها نص نثري تخيلي سردي يدور حول شخصيات متورطة في حدث ، وهي كذلك تمثيل للحياة والتجربة واكتساب المعرفة .
إ ن عددا كبيرا من الدارسين أقروا بأن الموروث الشعبي احتوى بعض أسس الفن الروائي ، فطاف الدارسون في التراث العربي يبحثون عما يقارب فن الرواية فيه؛ ليقعوا على أشكال مختلفة من القص ، أعملوا فيها التحلي والتأويل ليقتربوا فيها من الفن القصصي الروائي وأثمرت جهودهم دراسات عن القصة في القرآن الكريم ، وخصائصها ومميزاتها ، وعن المقامات التي التبست فيها القصة بالفنون العربية والبلاغية ، وعن الأخبار والحكايات التي امتلأت بها بطون الكتب التراثية والتي أظهرت وجود ميل إلى القصص عند العرب بألوان جميلة ، وبخصوصية متميزة كالقصص المترجمة – لتبتعد عن أصلها الفارسي والهندي وتعرّبت متشربة روح العرب ، ليذهب البعض إلى أثرها في نشوء الرواية الغربية -و قصص كليلة ودمنة والتي كانت على لسان الحيوان ، وقصص ألف ليلة وليلة التي فتنت الناس على مر العصور والتي تميزت بقدرتها على الإدهاش وجذب القارئ ، إلى جانب السيرة الشعبية التي كانت شكلا من أشكال الملحمة والرواية الطويلة . وتجدر الإشارة كذلك في التراث العربي حضور مجموعة من الحكايات التي وضعها ابن سودون المتوفى سنة 868 ه والتي استمد مضمونها من الواقع وحلق بها إلى الخيال وأقام فيها الحبكة وأجاد رسم الشخصيات وإدارة الحوار ووفر لها عنصر التشويق ، فهي ليست من المقامات وإن أشبهتها ، ولا من المنامات وإن قاربتها ، وإنما هي نسيج وحدها ، تقع بين المقامة والقصة .
وإن الأدب الحديث في منطقة الخليح ومنه الرواية نشأ على نحو متأخر تاريخيا ، وتحت تأثير جملة من العوامل والتأثيرات الخارجية من عربية وأجنبية ، وإذا كان للواقع الاجتماعي والتحولات الاقتصادية بعد ظهورالنفط دورها في تفعيل أو إيجاد فنون أدبية كانت تفتقدها المنطقة ، فإن التواصل الذي حدث مع العالم الخارجي كان عاملا حافزا للكتاب الإماراتيين للتعرف على مختلف الفنون بعامة ومنها الرواية ، إذ تسنى لهم تعرف هذا الفن عن كثب وفهمه على نحو ناضج .
كانت مرحلة التأسيس لفن الرواية في الإمارات في الفترة من 1971 -1975 ، حين صدرت رواية راشد عبدالله ” شاهندة ” 1971، ورواية محمد غباش ” دائما يحدث في الليل ” 1974 – ولم ينشرها إلا لاحقا في مجلة الأزمنة العربية ، وتميزت الرواية الإماراتية الأولى بالتركيز على السرد ومخاطبة الواقع الاجتماعي على لسان السارد العارف المطلق المتحكم في دواليب السرد والحكي .
وكانت فيما بعد إرهاصات النضج للرواية الإماراتية وتميزت بارتباط الرواية بالواقع المعيش ، وتصويرها للبيئة الزمانية والمكانية ورصد التحول الاجتماعي ، وعنايتها ببناء الشخصيات وتشكيل الأحداث وتعميق الصراع وتوظيف المونولوج الداخلي وغيرها من مقومات السردية ، كروايات علي محمد ” جروح على جدار الزمن ” 1982 ، ورواية علي أبو الريش ” الاعتراف ” 1982 ورواية سارة الجروان ” شجن بنت القدر الحزين ” 1992 ، وقد تكون هذه المرحلة غير مكتملة النضج إلا إنها أصّلت لفن الرواية في الإمارات وفتحت الباب لخوض الفن الروائي بشكل أكثر تطور وحداثة .
ثم كانت مرحلة التطوير والتجديد : وبدأت مع تسعينيات القرن الماضي لتعلن الرواية عن عصر جديد على مستوى الشكل والمضمون ليزيد اقترانها بالرواية العربية وتكون موازنة لها ، وضمت في هذه الحقبة عددا من الكتّاب الشباب الذين جددوا وطوروا من أساليبها ولغتها وأبنيتها السردية مع الحفاظ على الخصوصية المحلية وهوية واقعه ، كرواية ثاني السويدي ” الديزل ” 1994 ، ورواية كريم معتوق ” حدث في اسطنبول ” 1996، ورواية منصور عبدالرحمن ” ابن مولاي السلطان ” 1997 . وغيرها من النتاجات الروائية التي شهدت تطورا ملحوظا من المنظور الفني أو التجريبي والتجديدي واستخدام اللغة الشعرية المكثفة ، كما نال المكان لديهم مكانة كبيرة وتألقت جماليات الموضوعات والأساليب .
ثم جاءت مرحلة الرواية الجديدة ، والتي غلب عليها طابع التجريب والحداثة في الشكل والمضمون ، سواء في اللغة السردية أو الحوارية أو تطور شخصياتها ، وتطورت طريقة تناولها للموضوعات الاجتماعية كما طرأت عليها الجدة الموضوعاتية بفعل التبدل والتطور الاجتماعي والاقتصادي والحضاري والذاتي ، والتأثر بالآخر –كما ذكرنا – الذي يميز الإنسان في المنطقة ، وهو ما أثر في الكتابة الإبداعية لتظهر شخصيات مهمشة في المجتمع وتكون هي الشخصية الرئيسة في العمل الكتابي ، وظهرت أسماء روائية أثبتت حضورها الجاد مشبِعة ذائقة شرائح مختلف من المتلقين ، فمنهم من برع في الاتجاه التاريخي ومنهم في الغرائبي ، ومنهم في الاجتماعي ومنهم في الواقعي ، ومنهم من جمع بين أكثر من اتجاه في مشروعي الكتابي ما يمكن أن نسميهم جيل التجريب والحداثة ، كالكاتبة ريم الكمالي ولولوة المنصوري وسلطان العميمي ونادية النجار وصالحة عبيد ونجيبة الرفاعي وفتحية النمر ومحمد بن جرش ومنى التميمي وعلي بوالريش وفاطمة الشامسي وميسون القاسمي وباسمة يونس ، وغيرهم .
والجدير بالإشارة أن أصحاب الرواية ممن ينتمي لجيل الرواد أبي إلا أن يواكب التغيير كما فعلت الرواية أبت أن تقبع في قوالب ، لتنساب أقلامهم مرنة وخارجة عن النمط الكلاسيكي التقليدي إلى أنماط لموضوعات تناسب وتوافق وتوجه الرواية المتجددة ، واستطاعوا بذلك أن يؤكدوا حضورهم الإبداعي وأن يسهموا في التلاقح الحضاري مع الجيل الحديث بالتفاعل الثقافي والإبداعي على حد سواء .
