سقفُ بيتي حديدْ ** ركنُ بيتي حجرْ
فاعصفي يا رياحْ ** وانتحبْ يا شجرْ
من سراجي الضئيلْ ** أستمدُّ البصرْ
بابُ قلبي حصينْ ** من صنوفِ الكدرْ
فاهجمي يا همومْ ** في المسا والسحرْ
…
بعض من أبيات قصيدة ” الطمأنينة ” للكاتب المهجري اللبناني ميخائيل نعيمة أعادتني إلى المرحلة الثانوية في بداية سبعينيات القرن الآفل، وأذكر وقتها كنت أفهم أن الشاعر بيته من حديد وحجر، بعكس بيت أهلي الذي كان من تراب وقش وعقارب سوداء وشقراء، وكان الماء شتاء وقت هطل المطر يتسرب من السطح لينزل بهدوء أفعواني وسلام على أجسادنا الفتية، فكنا نهرب في الغرفة الطينية من مكان لآخر إذا كان الوقت ليلا، ونضع أوعية تجمع الماء المتساقط علينا، وكان السراج الضئيل الشغال على مادة الكاز مكلّفا بإزالة الظلام الدامس من حولنا، وكنا نتمنى لو أن لنا بيتا من حديد وحجر، كبيوت بعض الأغنياء في بلدتي القازيمازية، ثم لما توسع وعيي الأدبي فهمت أن الشاعر استخدم الحديد والحجر لا لبيته الذي يسكن فيه بل هو رمز لقوة الإرادة والنفس، وهكذا صارت نفسي حديدية حجرية مفعمة بالتفاؤل وتحدي الظروف القاسية، ومما قوى هذه النزعة فيما بعد ما قرأته من أدب ملتزم ولا سيما الأدب الروسي وأدب ناظم حكمت ونيرودا، حتى ظننت أن الكون قاب قوسين وأدنى إلى عالم جميل، كله عدل وحب وخير ، عندما كنت أقرأ هذا النص الجميل كنت أفهم كيف أن الأدباء ينفخون روح الأمل والتفاؤل في نفوسنا كي لا ن ونستسلم لمآسي الحياة مهما كانت مشمرة ومكشرة
واليوم ماذا سنقول للمدن السورية التي تنهار بيوتها الحجرية والحديدية فوق رؤوس أهليها ، وينهارون هم ونفوسهم وماضيهم وغدهم تحت الأنقاض جثثا هامدة..؟
أيها المبدع العظيم ميخائيل نعيمة ، يا من كتبت لي رسالة من سبع كلمات: قم
اكتب عن أنقاض سورية
عن أنقاضنا
…
أرتدي اليومَ صوتَ الذي قد مضى
أرتدي ماءَ حزني
فقد نشفَ القلبُ
وامتعضا
أرتدي الرملَ
كثبانَهُ المخمليَّةَ
ذراتِهِ
وهْيَ تملأُ عينيَّ
حتى أرانيَ منتفضا
وعلى أملٍ يائسٍ
أقضمُ الريحَ
أوقفُ ظلِّي الذي ركضا
أتسلَّى بمنفايَ
أسحبُهُ من يديهِ على مضضٍ
أحتسي المضضا
وطبيبي الموقَّرُ بلسمَني خطأً
وأضافَ إلى مرضي مرضا
أرتدي اليومَ قافيتي
أتركُ الأرضَ للآخرينَ
مكاني الحقيقيُّ
هذا الفضا
سوفَ آخذُ نفسي معي
قبلَ أنْ تتلاشى
وتنقرضا
هذهِ الأرضُ منفىً
ولي وطنٌ من خيالٍ
إذا زرْتُهُ ما تملْملَ
أو رفضا
هذهِ الأرضُ سوداءُ
تابوتيَ الخشبيُّ
سأخرجُ منهُ
وأصنعُ لي عالماً أبيضا