شكرا البروفيسور طلال. المخرج المسرحي العالمي الكبير.
أخيرا تنال مي زيادة بعض حقها. ها قد جاء من ينصفها بتحويل رواية: مي/ ليالي إيزيس كوبيا إلى مسرحية كبيرة ويمنح مي فرصة القول لكي تخرج ما كتمته على مدار قرابة القرن من الزمن.
شكرا يا صديقي الجميل، فقد وضعت يدك على جرحنا العربي الكبير.
في هذا الصباح أنا في قمة السعادة. بدأت الفكرة حول فطور لبناني على حافة الروشي، ثم تعمقت في فندق إقامتي غولدن توليب الانيق، في بيروت. وها هي اليوم تتجسد في عمل مسرحي كبير.
“بدأت تمارين مسرحيّة “ميّ زيادة، ليالي العصفوريّة”، من إعداد وإخراج وسينوغرافيا البروفسور طلال درجاني عن رواية “ليالي إيزيس كوبيا.. 300 ليلة وليلة في جحيم العصفورية”، للأديب الدكتور واسيني الأعرج.
يتناول العمل قضيّة “نابغة الشرق” ميّ زيادة وكل ما تعرّضت له من ظلم واجحاف بسبب حريّة فكرها ونضالها من أجل المرأة والإنسان وارتقائهما الفكري والإنساني، كما يضيء على العلاقة الإنسانيّة السامية والمميّزة التي جمعت فيما بين ميّ زيادة وجبران خليل جبران وامين الريحاني خاصّة وان دور الريحاني كان حاسماً في اعادة الاعتبار لها ومساعدتها في اثبات سلامتها العقلية وكشف الملابسات الإجرامية في حقّها، وكذلك دور جبران خليل جبران وذكراه والرابط الروحي والفكري معه حيث كان الداعم الاساس والوحيد لميّ في احلك اللحظات واكثرها الماً وعزلة في العصفوريّة وخارجها، والذي لطالما انتشلها من هاوية الاستسلام للموت والهزيمة.
“أتمنى أن يأتي بعدني من ينصفني” هي الأمنية التي افتتحت بها مخطوطتها «ليالي العصفوريّة»، الّتي كتبتها في فترة مكوثها في مصحّ الأمراض العقليّة، ولأن درجاني يرى في ميّ زيادة ايقونة وطنية مثل كل ايقونات العالم الحضاري وهو يعتبرها احدى ملائكة الفكر والادب والفن والثقافة العالمية خاصّة وانها قد انطلقت من عمق بيئتها واشكاليّات مجتمعها التي تطال الإنسان عامّة والمرأة خاصّة، فقد قرّر انصاف هذه الأديبة التي سبقت عصرها، وذلك في عرض مسرحيّ يحاكي جرأتها الخالصة وقوّة عزيمتها وإخلاصها لمبادئها وحريّتها مهما كلّفتها من صدمات تَسبَّب بها من اعتبرتهم من الأصدقاء والأحبّاء. فقضيّة ميّ زيادة عليها ان تشكّل شرارة بداية الحرب على كلّ أشكال الظلم والنفاق والفساد والتضليل والكذب.
تؤدي الدكتورة ماريّا كريستي باخوس دور ميّ زيادة في العرض، الذي يعتبر حدثًا ثقافيًّا فنيًّا حضاريًّا كبيرًا، كما أنّه ثمرة مجهود ضخم بدأه دكتور واسيني الأعرج برحلة بحثه المضنية عن مخطوطات المخفيّة للأديية والتي دوّنتها كشهادة ضدّ المجرمين الذين تحاملوا عليها وظلموها وعملوا على اغتيالها معنويًّا وجسديًّا عندما أرسلوها إلى العصفوريّة، هذا بالإضافة إلى صعوبة البحث عن تفاصيل ملابسات القضيّة، فكانت ثمرة الكاتب رواية “مي زيادة إيزيس كوبيا”.
أمّا البروفسّور طلال درجاني المتخصص، إلى جانب الإخراج المسرحي والسينوغرافيا، بالإعداد الدرامي للنص الروائي، فقد عمل طيلة سنتين على تحويل الرواية إلى نصّ مسرحيّ إبداعيّ عصريّ ووفيّ تماماً للرواية والقصّة الأصليّة قبل أن يشرع ببلورة رؤيته الإخراجيّة في خطّة فنيّة إبداعيّة متكاملة تشمل كل تفاصيل اكتمال العرض المسرحي منذ كتابة النص وابتكار وتصميم السينوغرافيا واختيار الموسيقى ومسرحة وتأليف طاقم العمل من ممثّلين وفنيّين، وصولاً إلى تحقيق شخصيّات المسرحيّة وتنفيذ كامل الرؤية المحدّدة من خلال بروفات يوميّة تمتدّ لساعات وأشهر لبلوغ أرقى أشكال الإتقان في الإخراج والتمثيل والسينوغرافيا ومجمل الترجمة الحسيّة الإبداعيّة لأبعاد وأفكار النص الأساس وقضيّة نابغة العرب.
“المرأة المستعبدة لا يمكنها إرضاع أطفالها رضاعة طبيعية فهم سيرضعون حليبًا بطعم العبودية” (ميّ زيادة)، هي الحقيقة التي جعلت ميّ زيادة من أولى النساء العربيّات واللبنانيّات المناضلات لتحرير الإنسان والمرأة من أغلال الظلم الاجتماعي والثقافي، وأما نحن، جميعنا، فمدينون لها بشاهدة حقّ تنصفها علناً.”