مريم الأحمد
نادراً ما كنا نلتقي أنا و زوجي
فطبيعة عملي كانت قاتلة لأية روح، حتى لو زاولته حشرة أو فارة
نوعه، كفيل بتغريب أي شخص عن صفاته الأصلية
نعم
عملتُ، و العمل ليس عيباً، موظفة في الإسكان، قسم الأرشيف
و الأرشيف منفصل عن باقي الكتل من إدارة و تنفيذ و مراقبة و تطوير
يبدأ نهاري في السادسة فجراً و احياناً قبل
المعمعة اليومية تسحب كل نشاطي من تنظيف و إعداد لوازم الطبخة و تجهيز فطور للأولاد
بعد أن أستحم و ألبس و أهيئ أغراضي، أوقظ الأطفال، و تبدأ رحلة العذاب من إيقافهم عن مواويل البكاء المتواصل أو الجعير المخرب لطبلة الأذن
بعد الحمام و اللبس و الأكل و توضيب الكتب و الدفاتر و السندويشات في الحقائب، أخرج من البيت، أوصل الصغيرة إلى الروضة و الوسطى إلى مدرستها الابتدائية و الصبي إلى معهد خاص يعنى بتطوير النطق و التعامل مع الحالات الخاصة
أركض إلى موقف الباص، حيث يقلّني، للعمل
الموقف رمادي، و بارد
لا أكلم زملائي و زميلاتي إلا عند الضرورة
مقعدي دائماً الثالث على اليمين، قرب النافذة، تجلس إلى جانبي المستخدمة كوكب
المشاهد ذاتها اتابعها كل صباح
لمدة نصف ساعة كاملة، هذه اللوحات كانت تعزيتي الوحيدة
قسم الأرشيف .. اهلاً بكم
مطرح واسع، كبير متشعب الأرفف و الأقسام
لكن العفونة فيه تثير الغثيان، الرطوبة، و روائحها المنبعثة من تفسخ الموجودات، سببت لي امراضاً و عوارض صحية، أشبه بشيخوخة مبكرة
اصفرار، ضيق خلق ، رجفان، جحوظ البؤبؤ، فتور في الحركة، ترهل و تجاعيد، قبل الأوان بدهر
كنت اتقيأ في المنزل خصوصاً بعد استيقاظي، اتمدد قليلاً على الكنبة المنخفسة، من كثرة الاستعمال، أشرب الشاي مع السكر، لأستعيد طاقتي
أعود في الباص ذاته في الرابعة عصراً
أعود شبه ميتة
حتى أني لا أشغل الموبايل و لا أتسلى بتصفح الأخبار أو الترندات
تصبح أعمال المنزل ترفيه
صراخ الاولاد حفلة أوبرا
جنون البيت و مشاكله كوميديا منعشة
زوجي، يغادر في العاشرة صباحاً و لا يرجع للعاشرة مساءً
عمله كحارس لمنتجع بحري، أبعده عن البيت و غرّبه عنا
لم أعد أتعرف عليه، وجهه غير مألوف لا بل منفر
يعود آخر الليل
ليجد كل شيء على ما يرام
الأولاد نائمون، بسلام
الأكل جاهز في الصالون الفاكهة بقربه على طاولة صغيرة
البيجاما، المنشفة، الملابس الداخلية
و زوجته المصون في شخير غرائبي، من أفلام رعب
المشكلة أنني ظننت هذا العيش قدري
قدري الوحيد
رمى التعب، بالأحرى الهلاك، ظلاله القاسية على كل ملمح، كل مفصل، و لم يعد لديّ ما يغري أي رجل بالاقتراب
حتى زوجي
نتبادل أحاديث مقتضبة تتعلق بالمصروف، و بتدبير شؤون الأولاد و دراستهم، أو صحتهم
الجفاف العاطفي كان أسوأ ما في الأمر
بدا الحب دباً قطبياً في صحراء افريقية، أو سعداناً استوائياً في جليد الاسكيمو
مخلوق مقتول سلفاً
تلك الحياة نحن / أنا متأكدة الآن/ من اختارها، بحثنا عن المشنقة بالسراج و الفتيلة، أضنانا البحث عن مقتل منطقي و مستساغ لذواتنا الحرة
انتقمتُ من أيامي كأنها لم تكن عمري أنا
تصلّبت، و تكلست، صرت صواناً أعمى و أبكم
شيء واحد بقي يدلّ على بقية حياة في هذا البركان الخامد
شيء واحد، كنت أخفيه و أدفنه في أقرب حفل تنكري
هو دمعة
دمعة ليلية
كانت تغدر بي و تنزلق حارقة خدي، عندما أنهي صراعي اليومي الطويل و أضع رأسي على المخدة….. لأنام
غرفة 19
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران
- فيروز امرأة كونيّة من لبنان -بقلم : وفيقة فخرالدّين غانم
- سلطة الدجاج بالعسل والخردل