
بشير الجواد
كعادته أخطأ مرصد الأحوال الجوية ، لا عاصفة أتت لا سفر لا مأوى مؤقت . سأتجاهل قرار صاحب الفندق و أذهب الى عملي كالمعتاد ، ولكن يجب تحذير هؤلاء النازحين اللطفاء بضرورة التزام الصمت . نهضت من فراشي لاحضّر قهوتي و حصل الامر ، أخذ البن يفور و في محاولة مني لاستدراك الأمر اندلق البن ولكن هذه المرة على بلاط الغرفة . أطلقت بعض العبارات البذيئة و كدت أن أرمي الركوة كلها على الارض لولا أن تداركت الأمر في آخر لحظة فالغبار في كل مكان و ليس لدي المتسع لامارس انفعالي على سجيتي فشعرت أن غرفتي باتت تتقلص علي كقميص قطني بعد الغسلة الأولى
رجعت و ركوتي الى حافة سريري و على رؤوس أصابعي كما دائما . وضعتها على الطاولة قرب السرير و أخذت من الخزانة معدات صغيرة تساعد في عملية حفر و تحولت فجأة الى عالم آثار أو منقب عن الألماس

و تحت ضجيج همهة الغبار المتسائل عما يجول في ذهني جلست القرفصاء الى جانب البلاط الملطخ بالبن و أخذت أحفر حول قطعتين كنت متيقنا ان النقطة البيضاء ستجدها البصارة على واحدة منهما . اقتلعت القطعتين و وضعتهما قليلا على الشرفة ليجفّا و جلست أشرب قهوتي سيكون كل شيء على ما يرام فحبيبة قلبك يا ولدي لن تنشر الحرس على الطريق و لن تقفل بابها امدد يدك من النافذة اليسرى المشرعة من الباب وافتح الباب بهدوء . هكذا كانت ستقول لي البصارة او هكذا كنت أود أن تقول فمن أين لها أن تعرف أن النافذة اليسرى مفتوحة دوما أو أن تعرف أن والدها سيكون نائما في هذا التوقيت لذا أوصتني بالهدوء . إنها مخيلتي المريضة بها مرة أخرى تحاول التأثير على ما قدر لي في رقعة البن هذه
لففت البلاطتين بغطاء من النايلون كنت قد انتزعته بالأمس عن طبق من الارز الاصفر والدجاج كنت قد طلبته من مطعم قريب عن طريق خدمة التوصيل . لبست نظارتي السوداء أقفلت الباب خلفي دون اكتراث لهمهمات الغبار و مضيت
لماذا يسكن الدجالون و البصارون غالبا في الاماكن الاكثر فقرا في الزواريب الضيقة كأنهم يهربون من نور الشمس . حتما يخافون فهم مخلوقات طفيلية و شأن الطفيليات أن تحتل الظلمة و تقود من تحت احتلالها الى تحقيق أهدافها و لذلك تعمل الى اطالة فترة الظلام قدر الامكان
“الفرع الثالث ، ثاني باب الى اليمين ،أطرق بقوة فهي لا تسمع جيدا ” قال و هو يدلني الى بيت البصارة صاحب الدكان الصغير ذو القدم الواحدة
لا أعلم لما انتابني شعور أن رجلا ذو قدم واحدة لا يمكن أن يدلك الى طريق طويل فهو حتما يبحث عن أقصر الطرق لا عن أجملها نهايةً . الامر لا يحتاج الى هذه الفلسفة فبيت البصارة هنا و هذا ما أنا آت لأجله
الباب مفتوح على مصراعيه ، لا ملامح بشرية للمكان ولكن لابد أن هناك من يطعم هذه الدجاجات الخمس
رجل آخر بقدم واحدة انه اخ لصاحب الدكان عرفت ذلك من الحذاء الذي يتقاسمانه لكل فردة و أكد لي هو ذلك لاحقا . “كشف ام عمل “سألني بنبرة غير محببة لم ادرِ ما ارد ففتحت الغطاء عن البلاطتين فهز برأسه لسان حاله يقول ” لقد بلغ الغباء أشده “
أدخل أدخل