1 / 4
حقق المعادلة الصعبة
اسف على الازعاج فيلم جيد ومغامرة محسوبة لحلمى
تحية لصناع فيلم (اسف على الازعاج) الذين استطاعوا تحقيق المعادلة الصعبة فى توفير فيلم تكاملت عناصره ومفرداته لترضى النقاد والجمهور -ولم يحدث هذا منذ عقود- .. اعلن العديد من النقاد والمتلقين المتابعين للسينما العالمية ان الفيلم مقتبس عن اكثر من فيلم عالمى ابرزهم (العقل الجميل ) للمخرج رون هوارد للفنان راسل كرو .. وسواء كان الفيلم مقتبسا او كتبه الشاعر الموهوب ايمن بهجت قمر فالسيناريو جاء محكما بدرجة جعلتنا موقنين من هذا الجهد الذى بذله السيناريست فى دراسة وتفهم طبيعة المرض النفسى (الفصام الهذائى ) السكيزوفرينيا“SCHIZOPHRENI”والتى تنطق وتقرأ خطأ فيقال الشيزوفرينيا..استطاع ايمن بهجت قمر صياغة هذا المرض فى سيناريو جيد لم تفلت منه تفصيلة واحدة وصاغ المخرج خالد مرعى هذا السيناريو فى صورة رائعة اعلنت عن مخرج موهوب احكم توظيف ادواته فى ثانى تجاربه فى الاخراج بعد فيلم (تيمور وشفيقة) الذى اوشى -مجرد وشاية- بمولد مخرج جيد ولكن السيناريو بضعفه وفكرته المتهالكة الساذجة لم تظهر براعته لنجده فى (اسف على الازعاج) يقدم لنا فيلما جيدا اظهر قدراته وتمكنه بعد نجاحه كمونتير للعديد من الافلام .. ويكتمل مثلث الفيلم ببطله الفنان احمد حلمى الذى استطاع بذكاءه وحسن اختياراته ان يتجاوز نفسه وابناء جيله فخرج من اسر الفارس ليقفز الى اصعب انواع الدراما وهى (السيكو دراما) التى تظهر قدراته على الاداء وتوظيفه لادواته فى تجسيد شخصية مركبة سيطر بها على
2 / 4
جمهوره الذى ذهب اليه معتقدا انه سيواصل الضحك خاصة وان جمهور حلمى يمثل فيه 90 % شريحة الاطفال حتى 18 عاما اصيب هذا الجمهور بصدمة ولكنه سرعان ما افاقه حلمى بروعة اداءه لدرجة جعلت المتلقين يصمتون تماما فى النصف الثانى من الفيلم ، فجاء تأثيره عليهم لدرجة التوحد والتعاطف حتى البكاء حين بلغ ذروة اجادته فى مشهد المكاشفة الذى جمعه مع امه «دون الوقوع فى فخ الميلودراما الفجة»..لم يخلو الفيلم من مناقشة قضايا مهمة رغم ان ثيمته الاساسية تدور حول الشاب المصاب بالفصام ودون الدخول فى تفاصيل اسباب واعراض المرض الذى اجاد السيناريست توظيفها فى السيناريو الا انه لم ينس تناول اشكاليات وهموم تمس شبابنا الذى يتعرض لقهر وضغط فى غياب السلطة الابوية الحقة / سلطة الاب الحنون الذى يعطف ولا يقهر ويطحن كما يفعل رئيس الجمهورية الذى ظن بطل الفيلم «حسن» ظن ان رئيس الجمهورية ربما كان بديلا عن فقدانه لابيه فبدلا من احتضانه وفتح بابه لاستقباله وتفهم مشكلته نراه يضع على بابه حراسه الغلاظ الذين لا يتفاهمون الا بالرصاص كما حدث بالفعل فى اكثر من واقعة راح ضحيتها شباب ظن فى رئيس الجمهورية الاب /الملاذ الاخير والعصا السحرية لحل مشاكله او على الاقل الاستماع لتلك المشاكل ؛ فكان مصيره رصاص الحراس الذين ينفذون اوامر الامن الحارس للراعى والذى يحرّمه على الرعايا .. كما تناول مشكلة البطالة وتهكم على قطار العمل الذى صاغته كتيبة الدعاية الفجة ..استطاع السيناريو ان يصور مشكلة اهدار العقول الفذة صاحبة الاختراعات واضطرارها للجوء الى الخارج وان جاءت هذه
3 / 4
القضية مبتورة وغير مكتملة مما يشى بتدخل من الرقابة خاصة بعدما اعلن رئيس البطل/حسن عن تبنى مؤسسة مصر للطيران مشروعه ، وحتى ان كانت الرقابة لم تتدخل فاغلب الظن ان الرقابة الذاتية لدى ايمن هى التى تدخلت ، واثرت على الفيلم بشكل سلبى فكانت من اضعف اجزائه ، بالاضافة الى النهاية السعيدة بتوفيق كل شئ وكان الافضل ان يتحلى بهجت بالشجاعة ويترك النهاية مفتوحة .. كل من شارك فى الاداء اجاد بشكل ملفت ويحسب للمخرج اختيارهم بدء بالفنان الكبير محمود حميدة الذى عودنا على مستوى راق يثبت دائما انه وصل للنضج خاصة بعد ادوره الرائعة فى (بحب السيما) و(ملك وكتابة) فكانت مشاركته فى الفيلم اضافة حقيقية ومحسوبة للمخرج ، والموهوبة منة شلبى التى مازلت مملوءة بالطاقة ولديها الكثير اجادت فى تفهم طبيعة الشخصية وقدمتها بتقمص امتعنا ، والقديرة دلال عبد العزيز رغم مساحة دورها الصغيرة الا انها قدمت شخصية الام المكلومة بفقدان زوجها وحرصها على ابنها وشقائها بمرضه دون الوقوع فى فخ مبالغة فى الاداء .. اما مفاجأة الفيلم فكان محمد شرف الذى خرج من أسر التنميط بشخصية البلطجى المجرم التى سجنته، واستطاع الفكاك منها للمرة الثانية بعد فيلم (كباريه) ؛ نراه الشاب المقهور المحبط ليعبر عن جيل باكمله فكان اداؤه هادئا مؤثرا لفت اليه الانظار رغم عدد المشاهد القليلة التى ظهر فيها .. التصوير لأحمد يوسف اكتشاف جديد رغم عمله بالتصوير منذ عدة سنوات إلا أنه هنا في أول أفلامه كمدير للتصوير استطاع تقديم صورة اشبه باللوحات الطبيعية وخاصة في مشاهد البحر ، كما جاءت
4 / 4
لقطاته موحية فى نقل الإثارة والحلم والغموض بتفهم كبير ، جاءت الموسيقي لعمرو إسماعيل لتضيف الى عناصر الفيلم جمال واحساس بالمشاعر والغوص فى الشخوص لدرجة التوحد فكانت تعبر عن الاحداث وتعلق عليها بنعومة تتفق مع صوت ألآتي’ البيانو’ و’الكمان’ فاستطاع توظيفهما في الحزن والفرح بنفس القوة .. وجاء الديكور لمحمد امين موفقا خاصة فى اختيار الالوان وحتى اظهار الفوضى بغرفة البطل جاءت بحساب ؛ فكان ديكور المنزل والكافيه فى صورة جيدة تحسب للمهندس .. الإخراج لخالد مرعي استطاع عمل فيلم راق .. فيحسب له اختيار الممثلين وابداعهم .. وحركة الكاميرا والكادرات التى استخدمها واختياره لاماكن جديدة كما فى ورش المطار التى لم تتناوله السينما الا مرة واحدة فى فيلم (غروب وشروق) ، اما المونتاج للمخرج فكان رغم صعوبته وحساسيته موفقا إلا أن النصف الأول من الأحداث كان الإيقاع بطيئا .. في النهاية استطاع خالد مرعى ابداع فيلم يعتمد علي احساسه كمونتير ومخرج كبير ننتظر منه الكثير فتحية له ولحلمى وكل من شارك فى الفيلم ومرحبا بالازعاج اذا كان مثل ازعاجكم الجميل .
faten_mali@hotmail.com