هناك حرس للجماجم في العالم العربي، ومحامون للوحوش، وشعراء للدم، وعشاق ساديون مهووسون دراكوليون. وكلما خطر لي ان استنكر مقبرة جماعية او خطف عمال مبرات او قطع رؤوس عمال، اول ما أتصوره هو هذه الطبقة التي تملأ عليَّ صفحات الانترنت. أُسأل دائماً، ان كنت اقرأ اعمدة الانترنت، والجواب واحد. انا آسف. ليس لدي الوقت. ولا اطيق حالة الغثيان. واذا كنت قد قرأت مرة الشتم المطبوع يمكن ان اقرأ الآن دعاة الجريمة والخراب على الشبكة العلمية التي سرعان ما حولناها الى شبكة جهل وقتل وتخلف وتوحش خلقي ومشاهد لا يقبلها عقل او عين او قلب او شعب او أمة. لم نضع يدنا على اختراع علمي او تقدم تكنولوجي الا وسخرّناه لتشويه هذا التاريخ الذي كان ذات يوم رمز التطور وتاج العلوم وسيد التّطور.
قبل ايام ارسل اليَّ الزميل فؤاد نصر الله من الرياض عتاباً منشوراً في اليمامة. وبعد مقدمة قيل فيها كل ما لا استحق من القاب واطناب، يقول صاحب العتاب، «… لكن لماذا يمضي» صاحبنا في جلد الذات، متفقاً في ذلك مع التقارير الدولية المبالغة في التشاؤم. ورفعت الهاتف لأشكر فؤاد على كل ما ورد، سواء في باب التكرم او في باب العتب. وقلت لفؤاد، هل تعرف يا زميلي، من هو اعظم شاهد في التاريخ على بغداد التي تنقل اليوم من مذبحة جماعية الى اخرى؟ اعطى الزميل عدداً من الاسماء. الا انني قلت له لا تعذَّب نفسك في سرد المزيد، فأنا اعتقد ان اهم شاهد على عظمة بغداد هو سيد الهمج والبرابرة هولاغو. لماذا؟ لأن هذا المفترس بعدما دمَّر بغداد على طريقة بول بوت وافترس بنفسه لحوم البشر وتناول طعامه على سجادة فرشت تحتها الرؤوس المقطوعة، هذا الهمجي الذي لم يعرف التاريخ مثله قبل بول بوت، تطلع في ما ترك من خراب ومقابر جماعية وجثث في اهم مدن الارض آنذاك، وقال في نفسه بماذا استطيع ان اعود الى بلادي من هنا؟ بالذهب؟ بالكنوز؟ لقد عاد يا عزيزي فؤاد ومعه افضل علماء العرب. وجعلهم يقيمون له مرصداً في فراغة مثل مرصد بغداد. ونقل اخوه قبلاي خان الى بلاد الصين كتب علماء بغداد والقاهرة في علم الفلك. ويقول البيروني ان الصينيين استنبطوا معارفهم الفلكية الاساسية من تلك الكتب العربية!
تلك يا عزيزي كانت بغداد، اولئك كانوا العرب. ذلك هو التراث الاسلامي. وانت تصرّ على رؤية ما يحدث لنا، وتتهمني بجلد الذات. اسمح لي ان اجلد ذاتي كلما قرأت شيئاً من التاريخ. الحاضر بائس.