وحيدة في فراشها، والليل وراء الجدار، ينصت إلى أنين مدادها. بيدها قلم ودفتر ومشاعر اشتياق، وأمامها لوحة غريبة، لا تعرف من مرّر ريشته عليها وسكب فيها أبعادا شعوريّة تؤلمها.
عجوزان يسيران ولا يأبهان لعين ترصدهما، وتموت شوقا لرؤية وجهيهما. هو بيده اليسرى عصا يتكئ عليها، فيما ذراعه اليمنى تلتفّ حول رفيقة دربه وعمره. وهي تتدثّر برسائله، والرّيح تعبث ببعض من صفحات تاريخهما.
كم مرّة تأمّلت هذه اللوحة، ما عادت تدري. ما الذي يشدّها إلى من ولّى سيرا على الأقدام نحو اللامعلوم.
طالما شغلتها ذراعه اليمنى، وذلك الثوب الذي ترتديه تلك المرأة. تغار منها ؟ ربما تحتاج ذراعا شبيهة، ربما تحلم بثوب لم يصمّمه أيّ من عباقرة الموضة، أجل. لطالما تمنّت أن تكون حبيبة كاتب يزين قامتها برسائل عشقه، وينسج لها دفء حروفه، يجعلها أميرة الصفحات، ومليكة الزّمان.
هي أمضت أياما وشهورا وسنوات تقرأ رسائل العشّاق المبدعين، وتمنّي النفس بحبيب تشعر معه بمزاياها، ألن يكتب عن أجمل ما فيها؟ ألن يبحر في أعماق روحها ليستخرج منها الدّر؟
هي لا تعرف نفسها كفاية، وتريد من يسكب على روحها دفء الأبجدية وزهوها وضياءها. هي تحتاج ذراعه لتشعر بالأمان. وهي تريد أن تتصالح مع السّنين بقربه. يكبران معا، تظهر التجاعيد على وجهيهما ولا يخشيانها، يتحول سواد شعرهما إلى بياض ناصع فيقولان أهلا بالضياء، ترتجف أيديهما ويوقعان ما فيها ويهمسان برقة لا بأس. يسيران ببطء من غير تذمّر، يتكئ أحدهما على الآخر ويسعدان بالرحلة.
كم تمنّت أن تتزيّا بحروفه.
كم تمنّت أن تغفو على ذراعه الدافئة، وتستيقظ على وجهه المبتسم، وتكبر في جنّة أحلامهما.
لكنّها كانت تغفو وحيدة، في ساعة متأخّرة من الليل.