عهود حجازي
على الطريق الطويل من شمال جدة إلى جنوب مكة، تسللتْ إلى زجاج السيارة الأمامي وزغة صغيرة صفراء
مشتْ بهدوء من غطاء المحرك إلى منتصف الزجاج، رافعة رأسها بانسجام مع الطبيعة، مغمضة عينيها بسعادة، ثابتة في وجه عاصفة النار التي تتولد من سرعة السيارة تحت الشمس المحرقة
في البداية حاولتُ تحويل بصري عنها، راجية أن تفوتها مقاومة الهواء فتطير بعيداً، لكنها ثبّتتْ أصابعها الدبقة ذات المصاصات على الزجاج، فازداد ثباتها
ثم دعوت الله أن يلحظها كائن من الجوارح الطيارة، فيختطفها لإشباع جوعه، لكنّ الجوارح على ذلك الطريق الصحراوي كانت مجرد هذيان
ثم خُيّل إليّ أنّ اقتراب أي سيارة منّا بقدر كافي، سيجعل الوزغة سعيدة بالانتقال إلى مكان جديد، لكنها لم تشاركني أفكاري
ثم تحركتْ الوزغة الصغيرة، وكأنها شعرت بأمنيات الشر التي يطلقها قلبي كالسهام، تحركت بنفس الثبات، ونفس الهدوء، من منتصف الزجاج الأمامي إلى النافذة التي أجلس خلفها
هكذا بإتقان قلبتْ موازين اللعبة وأصبحتْ بجوار رأسي تماما، لا يفصل بين شعري وأرجلها سوى شريحة الزجاج تلك
حاولتُ تحريكها بخبط الزجاج بيدي، لكنها يبدو كانت صماء، واقترح السائق أن ينزل الزجاج قليلا فتتحرك عن نافذتي، لكنني صرختُ بذعر قبل أن يفعل. فلربما كانت الحركة في صالحها لتدخل إلى حجري مباشرة عبر أصغر فتحة في تلك النافذة المشؤومة
كانت مشاعري على رأس دبوس: مشمئزة، متخوفة، متقرّفة من هذا الكائن اللزج الثابت بجواري
حتى تعبتُ من الحذر والتجافي، وأصاب معدتي الغثيان من التصاقها الطويل المظهر لتفاصيل جسمها على زجاجي الشفاف، فأرخيتُ رأسي بحذر على تلك النافذة، شاعرة بالهزيمة حتى يحين الوصول، فهدأ شعوري الثائر، وشعرت لوهلة بأننا تصالحنا، أنا وهي، بل تعاطفت معها، تلك الصغيرة التي أرادت مرافقتي بخفّة، ولم تصبني بسوء
كانت لحظة تحوّل تام في موقفي منها، وقال عقلي بأن أمنحها فرصة أكبر لنكون صديقتين مادمنا بهذا القرب، فرفعتُ رأسي ببطء عن النافذة، وأخذتُ أقاوم اشمئزازي لكي أتأملها ككائن وُهب الحياة، وليس كحشرة تستحق أن تُنفى وتطرد
كانت أطرافها وردية، أصابعها منتهية بانتفاخات صغيرة نهاية كل إصبع، طريفة حقاً
وكانت تتنفس بطمأنينة تتنافى مع ظروف الطقس في الخارج، فلم يبد على انتظام أنفاسها أي ذعر، ولا يظهر أنها تخشى شيئاً، تتنفس، فيكبر جسمها قليلا بفعل الهواء، ثم تزفر فتتقلّص. كان لها جفنان سفلي وعلوي، وكلما سكنتْ للضوء انغلق السفلي أولاً ثم العلوي، مغلّفاً عينيها تماماً من أشعة الشمس. ثم تثاءبت قليلاً، فظهرت لي أسنان صغيرة متراصة في غاية اللطف، ولسان صغير أيضاً كأنه فم طفلة
خلبتْ لبّي بلطف وجودها، وتمنيتُ لو كان باستطاعتي هدم حاجز الخوف ولمسها، ولكنني اكتفيتُ بهذه المودة الوليدة
حين وصلنا، طلبتُ من السائق أن يخيفها قليلا لتتيح لي الخروج، لكنه قال بأنها لن تتحرك لو فتحت الباب بسرعة وخرجتُ. فقلتُ بإصرار بأنني لن أخرج مادامت هناك
فما كان منه إلا الخروج من السيارة نافد الصبر، حاملا حذاءه في يده، رافعا يده إلى الأعلى
ثم في طرفة عين، وقبل أن أبدي أي اعتراض
هوى على الكائن المطمئن النائم، وسط صراخي وانفجار أمعائها
على نافذتي 🤮🤢😭
__________
*الوزغة: حيوان زاحف يدعى “برص” أو “أبو بريص” في لغات أخرى