د.اسامة معمر
ينص الدستور الأمريكي على حق كل إنسان في البحث عن السعادة وقد اعتبر هذا الحق هو جوهر الحياة التي يتوجب على الدستور والحكومة الحفاظ عليه وحمايته، ولكن المدهش في الأمر أن الدستور لم يقول أن لكل إنسان الحق في السعادة وإنما فقط الحق في البحث عن السعادة. وأعتقد أن دقة النص أمر مهم للغاية عندما نتحدث عن الدستور فهو المرجعية القانونية العليا في البلاد والحقيقة أن السعادة أمر غاية في الصعوبة من حيث التعريف ومن حيث القياس فهو ليس بالامر الملموس الذي يمكن قياسة او معايرته بدقة ،وكما يقول إيليا أبو ماضي:
أيها الشاكي الليالي إنما الغبطة فكرة
فلا تكن مراً ولا تجعل حياة الناس مرة
إذا ما هو تعريف السعادة؟ وكيف للإنسان أن يقدّر لنفسه إن كان سعيدا أم لا؟
أن التعريف العلمي البسيط للسعادة هو الأحاسيس الإيجابية كالفرح والحب والثقة التي يولدها لدينا قيامنا بعمل ما أو شعورنا تجاه قيمة ما وهو أيضا غياب للمشاعر السلبية.
والسعادة تختلف بعض الشيء عن الفرح فالفرح هو الإحساس المؤقت بالسعادة و يزول مع زوال اللحظة المسببة أما السعادة فهي مجموعة الأحاسيس و القناعات التي تولّد الشعور الدائم بالفضيلة والرضا والإحساس بأهمية ومعنى الوجود لدى لإنسان.
لذلك إحساسنا بالسعادة يأتي من مجموعة عوامل ومؤثرات تبنى عبر الوقت وقد تتغير ما التقدم في السن و تراكم التجارب وتبدل القناعات.
ويمكن تجزئة الإحساس بالسعادة إلى جزئين أساسيين الجزء الأول يتعلق بالأفراد وبالشعور الشخصي بالسعادة فنجد ان اغلب الناس يستمدون إحساسهم بالسعادة من مدى تحقيقهم لطموحاتهم في الحياة في تشكيل أسرة مع من يحبون و تحقيق نجاحات في الدراسة والعمل وبناء مستقبل اقتصادي ثابت.
وأما الجزء الثاني فيتعلق بالأحساس العام في سعادة المجتمع ككل وهذا الأمر تجده في أغلب الأحيان مرتبط بعدة عوامل أظهرت الإحصائيات أن أهمها التأمين الصحي والدخل التقاعدي الجيد وكذلك الأمر الأكثر غرابة هو عدد الأعياد والأفراح و مظاهر الفرح الوطنية من كرنفالات ومعارض وملتقيات رياضية وسياحية وغيرها.
لكننا نجد أن الكثير من الأدباء والمفكرين يربطون السعادة بقدرة الإنسان على خدمة الآخرين ومساعدتهم على تحقيق السعادة لديهم وكذلك بمدى إحساسنا كأشخاص بمعنى وقيمة حياتنا الفردية وهذا ما يؤدي إلى الأحساس الدائم بالقناعة والرضا وبالتالي يولّد الشعور بالسعادة.
ويربط أبو الطيب المتنبي الأحساس بالسعادة بالمستوى الفكري للإنسان ومدى نضوجه وعمقه وهذا ما يولد الطموح و الهدف في الحياة فيقول في بيته الشهير :
اخو العلم يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
وختاما أود أن أشير إلى أنه السعادة ليست دائما مرتبطة بتحقيق الاهداف ولا دائما مرتبطة في الفهم العميق لبعض الحقائق فنحن كل ما حققنا هدفا سنجد هدفاً آخر لنحققه لذلك سيظل الأحساس بالرضا والقناعة قاصرا بعض الشيء كذلك سيكون هناك ايام سعيدة عندما نحقق أهدافنا ولكن أيضا هناك ايام صعبة وقاسية ونحن في محاولة لتحقيق هذا الهدف أو ذاك ولكن مشاركة الآخرين والتواصل معهم ومساعدتهم لتحقيق أهدافه ومساعدتهم يولد الكثير من الأحساس بالسعادة وبالقناعة والرضا عند الشخص نفسه.
إن السعادة حقيقة هي فكرة ربما سرابية إلى حد ما فانا أعتقد أن محاولة بناء السعادة هو اهم من قضية الوصول إلى الأحساس الدائم بالسعادة وقد وضح لنا ايليا أبو ماضي هذه الفكرة في الأبيات التالية حيث يقول
وارى السعادة لا وصول لعرشها
إلا باجنحة من الوسواس
كانما هي لوحة زيتية
لشط فيها مركب ومراسي
تبدو لك السفائن عوّما
وتكاد تسمع رعشة الامراس
لكن اذا ما دنوتها و لمستها
لم تلق غير الحبر و القرطاس
(الوسواس : الخيال)
و اتمنى كل الحب و السعادة للجميع في السنة الجديدة
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي