نبيل عماري
يا بيوت الْـ بيحبّونا
يا تراب اللّي سَبَقونا
هي بيوت المحبة والطيبة وعبق من رحلوا فيها شتاء الفرح وربيع الجمال وصيف السهر وخريف المونة بأبوابها البسيطة المتواضعة والساحة المرافقة للبيت ورائحة الريحان والقرنفل والنعنع وجلسات في الحوش نقطف أوراق النعنع بينما كاسات الشاي الكبيرة المضلعة تنادي تلك الأوراق هي جمال الصبح مع ركوة القهوة وفناجين البورسلان وصوت قادم من راديو ترانزستر يا صباح الخير يلي معانا الكروان جالنا وصحانا بينما شجرة التوت تنمو حباتها مع بزوغ شمس نيسان لتعشعش عصافير الفرح بين أوراقها يا الله كم من البيوت سكنت وهجرت ، كم من المنازل لها بالقلب موضع ، وكم من الدروب التي قطعت بين زواريب وشوارع الحارات وحتى جدرانها القديمة والتي أكلها الدهر لها بالقلب حضور وكذلك الباب الحديدي وجلسات العتبات والتي كانت مجالس للجارات والجدات بين تنقيب عدس ورز وتلقيط ملوخية كم من الحارات والبيوت أحببنا بين دروبها رسمنا أشواطاً من الذهاب للمدرسة وللسوق وهي ملاعب الصبا سبع حجار وكرة قدم بينما الصبايا يلعبن حجلة وشبرا أمرا في تلك البيوت سمعنا الحكايات الجميلة من الجدة والأم وحكايات الثلجة الكبيرة والسفربرلك وضحكنا وفرحنا بملابس جديدة وعيدية وقصة أضحكتنا بيوتنا القديمة سر توازننا، وشموخ قاماتنا، وجميل ذكرياتنا ، فيها نشأنا على أشياء كثيرة أحببنا وأسرنا الصغيرة والكبيرة الممتدة، ملاذنا كانت تلك البيوت من شتاء عاصف نلتف حول الصوبة وننتظر طنجرة الملفوف وهي تقلب ليخرج هبالها فالجوع ينادي وكذلك فطور الصبح على طبلية هو حياة وفنجان القهوة فيها وحده حياة بكامل متعتها وسحرها وانعكاسها في الروح رائحة من مطرٍ من أول شتوة هو وجدٍ لا ينتهي ولا ينقطعُ إلا بالشجنِ الكامن وسط القلوب التي أخذها الشوق إلى تلك البساطة والفخامة في آنٍ معاً، حيث الابتسامات الصافية، والضحكات الطالعة من عمق الروح، والحكايات الكثيرة التي تعبق برائحة الوقت والمكان تلك البيوت تأخذنا لرائحة قلية القمح وهبال سلق الحمص والفول النابت لشواء حبات البطاطا على الصوبة وكذا البلوط والكستناء وسلق الشمندر كذلك بينما قصف الرعد يخيفنا قليلاً
في بيوتنا القديمة وفي الحوش شجيرات من التوت والرمان والتين ومعرش دوالي تتعرى تلك الشجيرات في فصل الشتاء لتصبح فيما بعد ظلاً وظليلاً، لتصبح واحة محبةوفرح وسهر في الصيف بين تحميص بزر من تشقيح بطيخة وقطوف عنب مع لبنة وأباريق شاي متلاحقة وغناء سلوى بين الدوالي والكرم العالي ويا محلا السهرة والبدر يلالي أو عبد الوهاب عندما يأتي المساء وفيروز يا كرم العلالي عنقودك لينا ذكريات تُذيب القلب وجداً وشغفاً، توقٌ يقطّع المُهجَ لبيوت الطين وبيوت العز والقناعة وبيوت مشاعر لا تهجر، ولا تنصرفُ بعيداً عن حاجتك لقيلولة بتلك البيوت تجدد فيها نفسك وتبعث الراحة والسكينة، وصحوَ الصباح الباكر واتجاهك نحو المدرسة أو العمل ، بيوتنا القديمة بيوت جدّاتنا، أجدادنا، أمهاتنا، آباؤنا، فيها رائحة حضورهم بعد أن ذهبوا لدار الحق ، وعطر مرورهم وحتى نحنحتهم نطلب رضاهم وبرّهم يا رضا الله ورضا الوالدين حكاياتهم الجميلة ومحارمهم القماشية وهي تمتلىء لوز وجوز وبطم وقروش وشلونة ، بيوتنا القديمة هي ذاكرتنا المتقدة والتي ترسلنا للزمن الجميل
غرفة 19
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران