يوسف طراد
ارتديت بزّة العمل المرقّطة، وانزلقت تحت عربة مدرّعة لنقل الجند، كي احتمي من القذائف المتساقطة
السواد يلفّ المكان، وصوت القذائف في مسارها فوقنا، يختلط بدقّات قلوبنا
ليل رعب آخر يضاف إلى أيّامنا وليالينا، ويسيطر الخوف على مواجعنا، وفي سيارة الإسعاف، كلّ ما هو ضروريٌ للجرحى
صدح صوت “الموتوريلا”، فاستيقظنا من قلقنا، كأنّنا منذورون (لشعطات) من الجنون، استيقظنا من نومٍ لم ننمه. الصوت يقول: إنّ هناك جريحًا إصابته خطرة
كالعادة، حياة الآخرين تعنينا نحن المسعفين، حياتهم مَنْ تشدّنا إلى الحياة. وصلنا بأعجوبة إلى المكان، لأنّ السائق كان يقود السيّارة وأضواؤها مطفئة
جراح عديدة أغرقته بالدّم القاني، أقلقني أنينه، ناديته من قلب الظلمة، فعرفني، ثمّ تضاعف الأنين، كأنّه يستعيض به عن صوتٍ مفقود
استنشقت من رئتيه، الهواء القليل المتبقي فيهما الّذي يشدّه إلى الحياة، ونفخت بقوّة هواءً جديدًا في مجاريه التنفسيّة، فارتفع صدره فجأة كأنّه يختلج. في هذا الوقت كان مساعدي قد أعطاه الأمصال اللازمة، وتحققت من إصابته، فوجدت شظايا قذيفة هاون، حفرت مسارب للدماء على كامل الجسم. لكنّ شظيّة أصابت عموده الفقري، ففقد الإحساس بقدمه اليسرى. شددناه من عقبيه ومن تحت إبطيه، وربطناه على محمل، بتقنيّة قد تعلمناها ومارسناها في حالة كهذه
ونحن في الطريق إلى المستشفى، تحوّل كلّ تعبنا سرورًا صامتًا، عندما عاد الإحساس إلى قدمه، وغرقت عيوننا بدموع الفرح
عندما كتبت هذا النصّ، فكّرت على مَنْ أقصّ روايتي بعد مضي الوقت الكافي على الحادثة الأليمة؟
ثمّ فكّرت: كيف سيكون المستقبل في بلادي، وهل سنعود إلى المعاناة وتحمّل الآلام من جديد؟ وهل يستحق خصام اليوم العودة إلى الماضي الأليم؟
غرفة 19
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران