ناصر عراق
بعيدًا عن الغلاء الفاحش الذي يكوي أكباد الملايين، وبعيدًا عن السخط العام الذي تفوح روائحه في سماء مصر المحروسة، وبعيدًا عن أحزان الناس في سوريا وتركيا جرّاء غدر الطبيعة وزلزالها المدمر… بعيدًا عن كل ذلك، تعال نتكلم عن ليلى مراد… وما أدراك مَنْ ليلى مراد؟
إنها فاكهة السينما الغنائية، وأيقونة الفيلم الاستعراضي. مناسبة الحديث عنها أن اليوم 17 فبراير يوافق ذكرى ميلادها عام 1918، وكالعادة نسيتها المؤسسات الرسمية، رغم أن فضل ليلى مراد على ترقيق الذوق العام والارتفاع به لا ينكر، وإسهاماتها في تطوير السينما المصرية وانتشارها معروفة للجميع، وقد تأثرت بها كل من صباح وشادية وسعاد حسني
تعد ليلى ابنة وفية للنهضة الفكرية والثقافية والفنية التي أعقبت ثورة 1919، التي رفعت شعار (الدين لله والوطن للجميع)، الأمر الذي يفسر لك كيف استطاعت ليلى (اليهودية) أن تصعد إلى سلم المجد والشهرة دون عوائق، مع ملاحظة أنها لم تشهر إسلامها إلا في عام 1946، أي بعد أن حققت حضورها الطاغي المدهش، وبعد أن فتنت الناس بصوتها الساحر وطلتها اللطيفة
عرف الجمهور صوت ليلى مراد قبل أن يرى صورتها، إذ قدمت عدة أغنيات في فيلم (الضحايا) الناطق الذي عرض في 25 فبراير 1935، كما تعاقدت مع الإذاعة المصرية في ذلك الوقت أيضا لتقدم بعض الأعمال كل أسبوع، لكن النقلة الكبرى في حياتها تمثلت في اختيار عبد الوهاب لها لتقف أمامه بطلة للمرة الأولى في حياتها في فيلمه الثالث (يحيا الحب/ عرض في 24 يناير 1938) للمخرج محمد كريم، وعبد الوهاب كما هو معروف نجم النجوم آنذاك، والفيلم كان خفيفا كوميديا بعكس فيلميه السابقين اللذين غرقا في بحر الحزن والدموع، وهكذا قدمت ليلى في هذا الفيلم عدة أغنيات خفيفة ذات إيقاع سريع أحبها الجمهور، رغم أدائها التمثيلي المتواضع
بعكس أم كلثوم الرزينة وأسمهان الجادة، ابتكرت ليلى مراد -وملحنوها- دروبًا جديدة في فن الغناء السينمائي، وكان الفضل لعبد الوهاب بشكل رئيسي في تطويع صوتها ليناسب متطلبات الأغنية السينمائية، الأمر الذي تلقفه بقية الملحنين بعد ذلك وصنعوا مثله. وهكذا طوال 17 عاما -عمرها السينمائي- قدمت ليلى مراد أكثر من 100 أغنية في 27 فيلمًا امتازت جميعها بالرقة والعذوبة والرشاقة
المدهش أن ليلى مراد لم تقدم فيلما سياسيا واحدا، رغم أن فترة الأربعينيات التي تألقت فيها اتسمت بصراعات سياسية مصرية وعالمية بالغة الخطورة أدت إلى إسقاط النظام الملكي في 1952، ومع ذلك فإن أفلامها حققت نجاحات كبيرة عند عرضها وما زالت لأنها جيدة الصنع في المقام الأول بغض النظر عن القضايا البسيطة التي تطرحها، ولعل أنور وجدي -زوجها النجم- أفضل مخرج تمكن من تفجير طاقاتها الفنية واستثمرها بذكاء بالغ في عدة أفلام خفيفة وجميلة، على رأسها (غزل البنات/ 1949)
في ذكرى ميلادها (رحلت في 21 نوفمبر 1995) نرفع السلام لروحها قائلين
شكرًا جزيلا يا ست ليلى على هذه البهجة الصافية التي تمنحينها لنا كلما رأيناك على الشاشة أو استمعنا إلى صوتك العذب
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي