عواطف الزين
بعض الذكريات تبقى حاضرة في الذاكرة أكثر من غيرها ،ربما لأنها تحفر مكانها بقوة ولا تتخلى عن حضورها مهما تراكمت الذكريات، وبشكل خاص ذكريات الطفولة
في مرحلة الروضة كانت هناك مجموعة من المواقف التي لا تنسى مهما ابتعدت الطفولة عن سنينها، لا تغادر ني ابدا ولا ادري ان كان ذلك يعني التمسك بطفولة ما في داخلي، أو ان تلك المواقف أثرت بي أكثر من غيرها ربما لأنني تجرعت مرارتها في وقت مبكر من عمري .كانت المعلمة (المدرِّسة)سهام تصنع من الحصة الصباحية نشاطا مميزا ومحببا لنا نحن الأطفال وذلك بتقديم القصص البسيطة في كتابنا المدرسي بقالب تمثيلي ونقوم نحن الاطفال (صبيانا وبنات) بتجسيد الشخصيات المصورة من (حيوانات على انواعها او اشياء اخرى جميلة في الطبيعة من حولنا . في إحدى المرات طلبت المعلمة من زميلة لي واسمها رابحة تجسيد دور الشمس وهي تشرق رويدا رويدا من خلف التلال ،بينما اختارتني انا لشخصية أخرى لا اتذكرها لأنني كنت أريد القيام بدور الشمس لكن ذلك لم يحدث في ذلك الصباح ولا في اي صباح آخر وكنت اقوم في كل مرة بالدور الذي تختاره لي معلمتي من دون ان ابدي رغبتي او اعبر عما يختلج في صدري رغم ان بعض الشخصيات التي كنت اقوم بتمثيلها كانت تزعجني وقد يكون بقاء هذا الحدث في ذاكرتي سببه انني لم أحقق رغبتي ابدا في ذلك العام الدراسي الذي تكثر فيه المناسبات والاحتفالات قبل ان تقفل المدرسة ابوابها مع بداية فصل الصيف . ظل حلمي يكبر معي كل ليلة واعدة نفسي بتحقيقه في بداية العام التالي او الذي يليه كبرت وأخذت أحلل واتساءل عن السبب الذي جعل معلمتي تختار (رابحة) لدور الشمس في احدى التمثيليات الصباحية علما بأنها سمراء البشرة بصورة ملفتة، وكنت أنا بيضاء البشرة وشقراء الشعر بعينين خضراوين واسعتين (طبعا كان زمان ) وانا اتحدث هنا من باب الأفضلية لاداء الدور كشكل ،وليس من باب المفاضلة بين البياض والسمار )
في موقف آخر اذكر ان زميلة اخرى تدعى ليلى كانت عندما تمسك بيدي ونرقص كالفراشات بملابس ورقية ملونة في حصة النشاط ، تترك يدي وتقول للمعلمة (إيدها كبيرة )فتغير المعلمة مكاني لأمسك بيد زميلة أخرى تقبل بيدي الكبيرة ) وفي أيام التفتيش التي تحضر فيها مديرة الروضة في بلدتنا الجميلة جويا الست ام هاني سعيدي وبالمناسبة كانت (ست ولا كل الستات )شكلًا وشياكة وأناقة وعلم ومكانة اجتماعية (يعني من علية القوم ) هي قريبتي بالمناسبة كانت تناديني (بالغنمة الشقراء )لا أعرف إن كان ذلك اللقب يشعر زميلاتي بالغيرة فيعبرن عن ذلك بوسائل اخرى علما بان المناداة تلك لم تكن دائما ايجابية ففي بعض الاحيان كانت تخرجني من طابور الصباح لسبب او لآخر وتحرجني ولكنها لم تتخل ابدا عن لقبي مهما كانت الظروف وهذا ربما ما كان يسعدني وينسيني اي موقف لا احبه ولا ارضاه
وهناك الكثير من الحوادث او المواقف التي اتذكرها وربما احاول تفسيرها ومنها انني وزميلي علي ايوب كنا دائما من الاوائل وكنا نحصل على هدايا مثل سلة بلاستيك صغيرة ملونة او علبة اقلام شمعية ملونة وعندما نكون نحن معا من الاوائل يأخذ هو الهدية الأفضل، يبدو ان ذلك كان يحز في نفسي ولكن في حفل نهاية السنة تم اختياري للقيام ببطولة المسرحية التي قدمتها روضتنا وهي لعبة (قصة النملة والصرصور) حيث قمت بدور النملة التلميذة الشاطرة وقام زميلي بدور الصرصور التلميذ الكسول وصفق لي الحضور كثيرا وقمت بإعادة الحوار مع الصرصور اكثر من مرة بناءا على طلبهم في مدرسة جويا الرسمية التي كانت عروس المدارس في منطقة الجنوب
بالمناسبة الزميلة التي كانت تشكو من كبر حجم يدي لم يزد طولها كثيرا بعد ذلك عما كانت عليه في الروضة وبالتالي ظلت يدها تقريبا على صغرها
وجسمها تقريبا على طوله
وسعدت بذاكرتي
وبشجرة العناب الشامخة التي كانت تتوسط ملعبنا الصغير في روضة أيامنا الأثيرة