بشير الجواد
لم أذهب اليوم الى العمل ، لا لسبب أو ربما لسبب أجهله أو أتجاهله ، لا يهم فأنا مستلق على سريري منذ البارحة لم اغادره فكل فكل مقومات البقاء موجودة على طاولة صغيرة الى يساري ” قنينة ماء فارغة وأخرى نصف ممتلئة ، مناديل ورقية ، علب سجائرٍ تكفي لأسبوع من اللاشيء ، ركوة قهوة مع فنجانها ومطفأة سجائر ”
أتفقد غرفتي كأني أدخلها للمرة الأولى و كأن أربعة أشهر لم تكن كافية لأشعر بضيق مساحتها و جدرانها التي أكلت الرطوبة جزءاً لا بأس به من صبغها . حتى شاشة التلفزة الصغيرة تبين لي أنها لا تعمل و في الأصل لا تمديدات كهربائية لها و كأنها وضعت في غرفتي و طاولتها الزجاجية لأنها مثلي لا تحب الضجيج . حقائب سفري ، ملابسي المعلقة ، خزانتي مفتوحة الدرف ،احذيتي الموزعة كقطع الشطرنج على بلاط الغرفة كلها هذه تمتهن الضجيج و لكن الحمد لله أنه غير مفهوم لشاشة التلفزة و إلا لتركتني أو أشتغلت على قناة ضجيجها أخف وطأةً من ضجيج أشيائي . تلك الأشياء التي تضج بصوت محركات الطائرات و السيارات و منها ما لا يكف عن الحديث عن المشاوير المجهولة الوجهة . و لكن أكثر الأحاديث ضجيجاً و إيلاما تلك التي تخبرها بعض ملابسي لبعضها عن عناقات كانت أشبه بالتقاء نهرين يستحيل معه رسم حدود لكل نهر على حدة ، عن عطر يعرفنه ولكن لأسم حبيبتي قدسية حتى ملابسي تتحاشى الخوض فيه كأنه الأسم المكمّل لأسماء الله الحسنى
لا بد من الاستراحة من هذا الضجيج قليلا . أو لا فإن مثل هذا الضجيج يفتح احتمالات لأحضان و طائرات و مشاوير مجهولة الوجهة قادمة
أقوم لأصنع المزيد من القهوة أمشي على أطراف أصابعي ، الكثير من الغبار في الغرفة و لا يزعجني ذلك صراحة فالغبار كائن لطيف ، كان يوما جزءا من شيء ما و تم التخلي عنه فلجأ الي كما يلجأ الى الكثيرين الذين لا يتهاونون مع الدخلاء فيمسحونه بقطعة قماش مبللة حتى لا يشعروا بالذنب من رؤية دموعه و هو يُقتل في مكان ظن أنه ملجأه . و لكن انا اترك له بعض الخصوصية ليشعر انه موجود و لأعيد له القدرة على الفرح ارسم عليه اسم حبيبتي فيشعر أنه الوانٌ زيتية مختارة بعناية لتشكيل فن بديع
للمرة الثانية اليوم تفور القهوة و يتلطخ وجه الطاولة التي اضع عليها الركوة الكهربائية بالبن ، لن امسحه هذه المرة حتى مع وجود المناديل الورقية و لكن سآخذ الطاولة الى قارئة الفناجين . تلك القارئة التي لم تر يوما في فجاني نقطة بياض واحدة فانتابني شعور ان النقط البيضاء كانت دوما تسقط على الطاولة و اليوم ستقرأها لي تلك الكاذبة _ اجل اعلم انها كاذبة و لكن الاوهام عقاقير مسكنة نلجأ اليها بانتظار علاجات واقعية_ و ستخبرني على بعد كم اشارة منها _اقصد حبيبتي_ وستقول ان سمكة الرزق لكثرة ما سقط من بن على الطاولة و عمق اثرها قد اصبحت حوتا . اخاف صراحة من كثرة الرزق ، لست معتاداً عليه و كذلك اخشى أن يأكل من مساحة حزني و شجر إنسانيتي . لن آخذ الطاولة سأمسح البن و سآخذ الطاولة في المرة المقبلة عندما تكون السمكة صغيرة طازجة
غرفة 19
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران