صخر عرب
رواية من القرن التاسع عشر للمؤلف الروسي إيفان غونتشاروف، الذي يعدّه الكثيرون من أهم روائيّ تلك المرحلة في روسيا بعد ليف تولستوي وايفان تورجينيف. صادرة عن دار الرافدين بجزأين الأول 478 صفحة والثاني 357 صفحة. ترجمة نجاح الجبيلي
تدور أحداث الرواية في مدينة فايبورغ قرب العاصمة سان بطرسبورغ، على أمل الانتقال لدسكرة “أبلوموفكا” لصاحبها ايليّا ابلوموف بطل الرواية،والذي لم يحصل، وتروي عن شخصية انسان ينتمي لطبقة مالكي الأراضي والأطيان الواسعة أو الطبقة الإقطاعية، وعن هذا الملاّك نشأ وتربّى بالعزّ والدلال، ولم يشتغل، ويبذل جهدًا يومًا من الأيام. نلاحظ في أول 220 صفحة كسل وبلادة هذا الشخص الثلاثيني العُمر وتراخيه، في مدة زمنية تقارب 4 أو 5 ساعات لم يتزحزح خلالها عن حافّة سريره، بانتظار أن ينفذ له خادمه “الذي هو بمثابة مملوك أو قنّ” الغبي زاخار الخمسيني، تعليماته البسيطة والساذجة، ويرفع له رِجليه ليلبسه الجزمة
تصف الرواية طبقة نبلاء الريف لحظات تفككها في روسيا وبدء زوالها، لتخلي المكان للبرجوازية الناشئة أو الرأسمالية النشطة بأشكالها وأنواعها، ولتخلي لها المكان بهدوء وسكينة – وليس بصراع طبقي عنيف، وذلك على سبيل الحكاية ليس إلا- ولتترك لها قِيّمَها ومُثُلَها، وباقي أفكارها وفنونها وآدابها وأخلاقها، أو أيديولوجيتها في المجتمع والحياة. نرى إيليا أبلوموف إنسانًا كسولا بليدًا متراخيًا، لا يحب العمل أو النشاط ولا يشتغل ولا حتّى يُشَغّل عقله وفكره، ناسيًا واجباته وأغراضه، بعكس صديقه الألماني الأب، الروسي الأمّ، أندريه شتولتس الذي يمثل وجه الرأسمالية الصاعدة بنشاطها وحيويتها، بوعيه وذكائه ونشاطه وحبّه للإنتاج الذي يدفع بصديقه ابلوموف للعمل وكأنّه يمثل البرجوازية الصاعدة، المخلص والغيور على صديقه
لقد أُعجب فلاديمير إيلينتش أوليانوف –لينين- القائد الشيوعي الكبير بفكرة ومصطلح “الأبلوموفية” المشتقّة من اسم بطل الرواية، مثلما راجت قبلا “الدونكوشيتية الإسبانية ، والعنترية والنمرودية العربيتان وغيرها”، فاستعمل لينين المصطلح في خطاباته ومقالاته. وقيل إن أحب الروايات عند لينين كانت رواية “أبلوموف”؟
جمع غونتشاروف في الرواية شخصية النبيل والفلاح الروسيين بشخص إيليّا أبلوموف، لمقتضيات العمل الروائي وخصوصيات الجمال وشدّ القارئ وجذب انتباهه وتوصيل فكرة المؤلف عن عالم الأرض والنبات الذي بدأ يخلي الساحة لعالم التجارة والصناعة
كان ابلوموف طيبا طاهرًا، مثالا للفلاح الروسي المخلص والوفي، وللبلد الأساس روسيا. في حبّه لأولغا سرغييفنا نرى تأثير أفكار الكاتب الألماني العظيم يوهان غوتُه الذي أثّر على أدباء ومفكري أوروبا حينها، وذلك الألم العظيم بالبوح بالحب والكلام عن الحياة
لا يتردد غونتشاروف بالاستشهاد بشخصية دكتور فاوست والفتى فارتر، وهما من أهم أعمال غوتّه
إنّنا نلاحظ تأثير أبلوموف على أدباء القرن العشرين – جبران، نعيمة- توفيق الحكيم، طه حسين، إيليا أبوماضي وغيرهم- وكأنهم ينقلون حوارات شخصياتهم وافكارهم هم بالأسلوب “الأبلومولفي”. لقد صاغوا الأفكار المادية للرأسمالية “وللبرجوازية” هنا بأسلوب روحاني مثالي، وكأنّ الغاية نشر المحبة ونقد فساد طبقة الرأسماليين الصاعدة التي بدأت بتغيير المجتمع
أما مالكة البيت أغافيا ماسييفيا والتي نزل وسكن أبلوموف في منزلها معظم وقت روايتنا هذه، وبدأ يميل إليها ويحبها، فقد كانت ومع بساطتها وميلها له وعاطفتها نحوه وبدأت تدرك السرّ الأكبر في هذا الوجود، سرّ الموت الذي أجاد الروائيون الروس –كما غيرهم- بالحديث عنه ولو بالإشارة، لكن بشجاعة وألم