صالح حصن
وحده الشاعر من يحتضن دوافع ومغزى قصيده وللمتلقي حق تأويل المعاني واللغة أمها وحاملتها
بمتابعة تاريخ كفاح الليبيين المُسلح ضد المُحتل الفاشستي، من أول القرن المنصرم وحتى منتصفه، يبرز الحضور الفاعل لكبار السِن وتحمله أعبائه تطوعاً بما لم ينقص عن ما حمله أبناؤهم و حتى أحفادهم معهم في آن. والحُب حُبٌ بغض النظر عن طرفيه لكن العاطفي منه بين الرجل والمرأة حُلية القصيدة وعِقد زينة رقبتها حتى وإن غاب عن موضوعها، أما الحَراك والفعل فوقوده غير الناضب هو الإرادة والإرادة تطلب مواكبتها بحث ذاتي وفي الحالين تكمن اللذة في الضَفَر بالمنشود. هنا في هذا القصيد يكرر الشاعر تبيان وإيضاح ذات القيمة والمعنى بصور مُتعددة ومُتراكبة تصاعداً وذلك ما قد يشير إلى سمو الهدف المنشود والإيمان بوجوب الوصول إليه مهما بلغت التضحية
الشاعر الليبي المُعاصر “علي شحات الفاخري” صاغ قصيدته هذه باللهجة الليبية مختاراً نمطا من أنماط الشعر الشعبي الليبي العديدة، فقال
يا درب شور اولافي.. حتى وانت شوك و آنا كبير وحافي، … تشيل؟ … شيلني
يا درب شور اريادي .. تشيل؟… شيلني،…. ملَّيت طول اقعادي
في دوج، دايج فيه، كي الفرادي .. بين لايم مع شافق و قاسي جافي
خَلوج، في خَلا مِجدب و صيده عادي .. دروبه اصلاب، امحولقات بسافي
نوعـــى ، .. انستَّه, كي غَريب النــادي .. بين قوم ملَّوا مَنقضي و اقطافي
رنين ضحكّهم، وين ما غَفيت، وسادي … و غطاي التصاور والفراش مشافي
اعزاز.. هم نظر عيني ونبض فوادي .. ولداي الغبي…الغوير، بلسم شافي
نريد عزم… قال العزم منّك غادي .. بكيت، في نحيبي ما لقيت عوافي
كل يوم، ..عام يزيد عمر نِـــكادي .. وموت.. الطرب، في دنيتي متلافــي
يا درب شور اعزازي… حَفـي.*** وانا كبير وهازلات ادرازي
نلقنك وعر… لو موش فيك انحازي *** ودا الياس ناشر في جميع اطرافي
من يوم غيَّبوا… وانا بداي انزازي *** نهار,.. ليل,.. نطّحن في خفاي الخافي
تَفَلّــــــــى… وطار الصقر من مِركازي *** وراحت عناق الريم بين فْيافي
من يوم فارقوا… وانا عقيب اعطازي *** تميت لا انتحاذف لا يصيب احذافي
عقاب عمر… ماعاد فيه بيش انعازي *** وكبار الهموم مصادرة مِشرافي
يا درب شور ودايد *** تشيل شيلني ماعاد صبري فايد
ولا تفيد ترقيعةْ الثوب البايد *** ولا نفخ لشلم للرميص الطافي
ولا ما ورا جايع لقّاط حصايد *** يسد جوع ظلوالي بجوعه لافي
ولا كل جرح ايجن عليه ضمايد *** حتى والطبيب خبير علمه وافي
ولا من مشى يقدع بطول مدايد *** واللي معاك، ركب اللي مشوا متلافي
واللي ما وطأ في النار، نال صهايد *** وبات في دفا ممنون عافي دافي
وهي وين شاطت حرقها فِـ الزايد *** يبات الحجر منها رماد وهافي
لْهم ودَّيني .. ولك عهد نجزل ما تلمَّ يميني؛
دواي ونفس روحي وزهوةْ عيني .. عليهم كلاني، بالصحيح، ريافي
توضيح معاني بعض المُفردات
شور = صوب
دوج = ظلام دامس
دايج = يمشي ويعود أو يدور في مكانه على غير هدى
كي الفرادي = مثل المنفرد أو المنبوذ
خلوج = ناقة أُنتِتزِعَ عنها وَلَدُها، صوت متوجع وحركات مضطربة
نوعى = أستيقض
انستّه = أهذي به
كي = كيف أو مِثل أو شبه
غريب النادي = كأن كلامي جديداً على مُنتدانا
مشافي = جمع مِشفى وهي مِثقاب الجلد عند الخرّاز
العزم منّك غادي = ما أبعد العزم عنك
وموت.. الطرب = موت هنا تفيد الإصرار التام للطرب على أن يتلافي لقائه
حَفـي= الطريق الوعر ذو حجر صوان
ادراجي = خطوي أو خُطاي
انحازي = أنا أحاذي وأو أسايس نفسي عليه
انزازي = أنا بك مثل الأم تتوجع وهي تحمل رضيعها المتوجع تتمشى به وتهزه فهي “تزازي به”.
عقيب اعطازي = تردى حالي وتخلف حظي وساء
تمّيت = صِرت
انعازي = أراهن به
لشلم = مثلوم الشفتين وهو تشوه خلقي يسميه الأطباء “شفة الأرنب”
الرميص الطافي= الرَمَص وهو الجمر بعدما يغطيه رماده وتخمد ناره
حصايد = جمع حصيد حقول الحبوب
ظلوالي = الشخص العاطل عن العمل ولا مصدر رزق له (في تونس ينطقونها “زيوالي” )
لافي = عابِر غير مُقيم
يقدع = يعود أو يرجع
طول مدايد= مهما طال الدهر
متلافي= يلاحق أو سيلتحق حتماً بهم
شاطت = تسعّر لهيبها
هافي = ما ينقله الهواء من شرر متطاير
ملاحظة: وضعتُ النُقط (….) لزيادة في صمت الفاصلة
غرفة 19
- إنسـان فيتـروفيـوس- للفنان الإيطالي ليــونــاردو دافـنـشـي، 1487
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم