منى رفيق بولس
إلى الملاك الصغير الذي ألهمني كتابة هذه المقالة .. إلى نايا الجميلة الرقيقة أقول : سنبقى في الكهف يا حلوتي ما دام رصاص الأغبياء لغتنا البشعة .. رفرفي في السماء يا ملاكا جميلا ..
حتّام نبقى في الكهف؟
كنّا نعيش فيه ذات يوم، إذ لم يكن لدينا مكان آخر أكثر رفاهية. كافحنا وعملنا وشقينا في الوصول إلى الجدران الأربعة، المقفلة بوجه الخطر. هذا ما أوحت إليه عقولنا بعدما أعملناها، وفتحنا أبوابها على الخلق والإبداع.
برينا الأقواس وبرينا الأقلام، شحذنا الصوّان والخناجر، استخدمنا القوّة واستخدمنا العقل. بنينا المدارس والمعاهد والسّجون، وشيّدنا القلاع والحصون والقصور والأكواخ. صنعنا السفن وأطلقنا أجنحة الطائرات، زرعنا الورود واعتنينا بها، تماما كما زرعنا الورود وأهملناها. استعملنا فائض القوّة كما استطيبنا الاستسلام لفائض الضّعف. وصلنا إلى الفضاء، وإلى القضاء، وإلى الفناء.
غريب أمرنا، كم نحمل في داخلنا التناقضات العجيبة!
نسينا بناء الإنسان، وسبر أغوار روحه، والارتقاء بعقله وقلبه وإنسانيّته. ابتعدنا كثيرا عن حبّة الخير الكامنة في أعماقنا، لا بل قتلناها وأعدنا أمجاد قايين، عن قصد أو غير قصد، تركنا حسد إخوة يوسف ينمو زرعا وفيرا في أعماقنا، وسمحنا بتوالد وجع يعقوب، واتّخذنا القبور المكلّسة مثالًا لنا، تعطي صورة قذرة عمّا في دواخلنا.
ما هكذا خلقنا الله، ما هكذا خلق الإنسان، ما هكذا رسم دوره. أعطاه من روحه نفسا حيّة ليكبر دور الرّوح فيه. خلقه نقيّا لتتّسع في الأرض مساحة النّقاء. أعطاه العقل والقلب ليفكّر بمحبّة، ويبدع بمحبّة، ويرتقي بالأرض نحو عالم أفضل وحياة جميلة، لكنّه انحرف انحرافا بغيضا آثما، واستعذب القوّة والشرّ. إن غضب يطلق النّار، وإن اغتبط يطلق النّار، وإن احتفل يطلق النّار، والنّتيجة أبرياء يقعون صرعى، وأطفال يفقدون الحياة، أو يكادون، وهم يصارعون الموت على أسرّة المستشفيات، وأسر تقع تحت جبال الوجع الهائل، والعذاب المُضني، والحُرَق القاتلة.
أما آن للإنسان أن يدرك فداحة انحرافه فيخنق بيديه العنف السّاكن فيه، ويخرج من كهفه المظلم، ويفتح ذراعيه للنور ولنسائم المحبة المنعشة والمحيية؟!
منى رفيق بولس
لبنان