أتعجب من بعض الأشخاص الّذين يحملون الشّهادات العلميّة، والّتي من المفترض أن تصنّفهم ضمن نخبة المثقّفين، ولكن مع مرور الوقت، عندما تحتكّ ببعض منهم، ترى أنّهم لا يمتّون للثّقافة بصلة، فالثّقافة لا تعني أن تحمل شهادة جامعيّة فحسب، بل الثّقافة أن تكون منشغلًا بنفسك، وتحقيق طموحاتك، وأن ترسم دربًا خاصًا يحلّق بك نحو العلى، بعيدًا عن الانحطاط الفكريّ. الثّقافة تعني بأن تكون متواضعًا، مساعدًا، محبًّا للخير، ناشرًا كلّ ما لديك من معرفة تمتلكها لتنير درب غيرك ممّن هم بحاجة إليها. الثّقافة تعني بأن تكون مترفّعًا عن الخبائث، مبتعدًا عن السّخافات والنّميمة، الثّقافة تعني أن تنشغل بنفسك وتسعى إلى تحقيق طموحاتك، دون النّظر إلى الآخرين وما أنجزوه من نجاحات، الثّقافة تعني ألّا تترقّب غيرك، وتنشغل بمتابعة أخباره دون وعيٍ بسبب خباثتك. الثّقافة هي رقيّ فكريّ، هي تواضع وغنى بالنّفس تطير بها لأعلى القمم، الثّقافة هي ترك التّفاهة، والسّخافة، والغرور، الثّقافة هي الابتعاد عن النّميمة والغيرة العمياء، هي الابتعاد عن كلّ ما له علاقة بالنّوايا السّوداء الّتي تنزل بصاحبها نحو أدنى درجات الاحترام.
الثّقافة يا سادة هي الانشغال الكلّيّ بالنّفس، والعمل على انتزاع كلّ ما يؤذيها ويؤذي الآخرين، الثّقافة هي الصّدق والوفاء ورمز الإنسان الأمين، الثّقافة لا مكان عندها للكاذبين، الذّين لا يلبثون أن ينكشفوا أمام الواقع فيغرقون في بحر من الوحل ويصبحون ملوّثين.
الثّقافة هي ارتقاء روحيّ، وفكريّ، واجتماعيّ، هي كوكب يشعّ بالمحبّة والسّلام، والفهم، والنّور الرّوحيّ، هي شعار للخيّرين الّذين يقدّمون للبشريّة كلّ خير يفيدهم ويرتقي بهم، هي حبّ ونيّة صافية تنبع من دواخلنا تتمنّى الخير للجميع دون استثناء. هي تواضع، وهيبة ومعرفة خالصة.
فكلّ من يدّعون الثّقافة وفي قلبهم نيّة لأذى الآخرين، إنّما ذلك يعني أنّه يوجد نقص بداخلهم، وبقدر النّقص الموجود لديهم، يدّعون الثّقافة وهم ليسوا بمثقّفين.