العالم يسيل ، وهو يتمركز وسط الميدان ، يقرأ المشهد ويؤدي عمله بإتقان .
كانوا يتزاحمون لبيع آخر ماتبقى من نصوصهم الهزيلة ، كان هو يحاول ترميم نصوص بعضهم وهم يلقونها أمامه ليجعلها صالحة للاستعمال ، ظل زمنا يحاول ترميم نص فلما وجده غير قابل للإصلاح ألقاه في وجه صاحبه وراح يدخن سيجارته على مهل ، حين لم يعجبه نص قدمته له حسناء عاجية أعاده لها قائلا ربي عيالك وسيبك من القصة أقول لك أكتبي أغاني مهرجانات .
قلت له لا تنصفنا الحياة أبدا يا سيد نفرح بأشياء بسيطة تلقمنا إياها من لحظات السعادة المؤقتة ، يظل الأمل بما هو أفضل سياجنا الذي نعيش أسراه .
تأمل كلماتي قليلا قبل أن يهمس كن فوق الحياة قليلا ستنجو ، فقط ركز في صناعة العالم السائل ، شكّله كما تراه لا كما يراك .
حين حاولت استبقاءه لإصلاح نص قدمه إعلامي شهير ، كادت كلماتي تثير تراب الطريق” صرخ بكل ما يستطيع من هدوء: كلهم أفاقين ولن يفلحوا في كتابة تليق بالفن، …تركته ينطلق وهو يلح في مغادرة المكان الموبوء بالنصوص الخربة .
سرت معه محاولا التسرية عنه بكلمات أغنية كلثومية ، استوقفني قائلا : لماذا أصبحت كلمات الأغاني لدينا أسوأ كلمات في الوطن العربي كله؟ سمعه عجوز عابر ، حدق في وجهه مبتسما (ابتسامة تنتمي للكوميديا السوداء) : لأننا أميون لا نكتب الحياة ولكنها تكتبنا ، نصر على إنها هم ويعدي والهم جوانا نايم ومتهني ،ابتسم للرجل موافقا ولم يعلق ، سار في طريقه ، حاولت تنبيهه أن الوقت تأخر لممارسة المشي الآن ، همس لو توقفنا فالعالم سيزداد سيولة ، وسنفقد مفاتيح إصلاح العالم وستصبح الحياة نصا مبتسرا غير صالح للاستخدام الآدمي ، حين وصلنا شارع كورنيش النيل ألقى ببقية النصوص إلى الماء ، سار للجنوب مخالفا التيار ، وراح يغني .
( عندما تعجز الكلمات عن مشاركة من نحب لحظاتهم الاستثنائية فملاذنا الفن وليس سواه ، هكذا جاءت الكلمات لتبارك لسيد الوكيل تكريمه المستحق ).