كثيرون، وأنا واحد منهم، لم يتوقعوا وهم شبان ما إن يضعوا رؤوسهم على مخدّات النوم، حتى يغرقوا فيه، ليمتد نومهم ساعات متواصلة، أن يمضي بهم العمر فإذا بنومهم يغدو متقطعاً، وساعات نومهم الليلية تتناقص، ويجدون أنفسهم مكرهين على الصحو المبكر، ينتابهم شعور بالإرهاق لأن أجسادهم لم تنل ما يلزمها من ساعات النوم الضرورية، لكنهم في الوقت ذاته عاجزون عن مواصلة النوم، كأن هناك من دعا عليهم بما قالته نجاة الصغيرة: «روح يا نوم من عين حبيبي»، وكان سيكون في ذلك سلوى لهم لولا يقينهم بأنه ما من حبيب دعا عليهم بأن «يروح» النوم من أعينهم ولا هم يحزنون.
أعرف الكثير من الأصدقاء المخضرمين الذين يكبرونني عمراً، ممن برمجوا حياتهم على النوم المبكر والصحو المبكر، ويجدون في ذلك نظام حياة صحياً، محفزاً للنشاط. وقبل أسبوع أو أكثر التقيت، مصادفة، بأحد هؤلاء، وهو طبيب استشاري مشهور، أوضح لي أنه من هذه «الفصيلة»، يخلد إلى النوم كل ليلة عند التاسعة والنصف ويصحو عند الثالثة والنصف، ليستأنف حياته بنشاط، كأنه يذكرنا بمقولة لجبران خليل جبران تقول: «الدنيا ملك لمن يستيقظ باكراً»، فمن يصحون متأخرين يفقدون الكثير من متع الحياة، وأيضاً بقول سلامة موسى «إن الإفراط في عدد ساعات النوم هو هدر للوقت»، ومن رأيه أن نحرص على أن نعطي الجسم حقه من الراحة بالضروري فقط من الساعات، لأن ما يزيد هو بمثابة تقصير لأعمارنا، وبقول أم كلثوم، بكلمات عمر الخيّام، وتعريب أحمد رامي: «ما أطال النوم عمراً».
في مقالٍ سابق نقلتُ عن أخصائية نفسانية أسترالية نصيحة بالاستيقاظ مبكراً 30 دقيقة على الأقل قبل وقت الاستيقاظ المعتاد مثلاً، للذهاب إلى العمل أو إنجاز الواجبات اليومية، وذلك من أجل القيام ب«شيء ممتع مثل ممارسة الرياضة، التأمل أو فقط الجلوس بهدوء والاستمتاع بكوب من الشاي في الخارج يحسن المزاج طوال اليوم»، وفي مقابلة أجرتها، مؤخراً، صحيفة المصري اليوم مع آخر فائز بجائزة نوبل للآداب، النرويجي يون فوسه، تحدث فيها عن عاداته في القراءة وعن الكتب والموسيقى، وفيها قال أيضاً إنه عندما يكتب يمارس نوعاً من الاستماع، حين يترك روحه لذلك الصوت المجهول فتأتي الكتابة سهلة.
وعلى صلة بما نحن إزاءه اليوم أوضح يون فوسه أنه ينام في التاسعة مساءً ويستيقظ في الرابعة صباحاً، وعادة ما يكتب في الأربع ساعات التالية، أي من الخامسة حتى التاسعة صباحاً، ولكنه لم يبلغ هذه العادة إلا بعد أن هجر عادات ألفها طويلاً، عندما كان «بومة ليل» يسهر مستمتعاً «بالفوضى الزمنية الجميلة».