سيرة ذاتية للبيوت في صورة متوالية قصصية..
تحدثنا مي بداية عن صورة الغلاف وهي لبلاط مزركش واعدة إيانا أن نعرف قصته في حكاية بيت نجوى، ثم تحكي لنا عن أسباب مخاوفها، وعن مرافقتها لوالديها أينما ذهبوا: في زيارة ما، أو حتى في جنازة..
من بيت البدو بدأت حكاياتنا مع مي خالد، حيث نشأت في شارع البدو، في مصر الجديدة، ورغم أنه كان أبعد ما يكون عن حياة البداوة إلا أن راعية غنم كانت تمر فيه صباحًا تحت شرفة البيت لتفزع مي، وفي هذا البيت نشأت لتلعب وتمرح، وتخاف حمام منزل شنق فيه صاحبه في الدش، وحينما انتقلت من هذا المنزل ظلوا أصدقاء لكل الجيران وحدثتنا مي عن كل بيت فيه..
علاقة مي علاقة حميمية بالبيوت وسكانها، هي ترتبط بالحجر قبل البشر، تحكي لنا عنه وعن كل من اتكىء عليه من أناس، تحكي عن والديها، عن صداقات، عن خلافات قد تطرأ بين أصدقاء العمر حتى الموت، عن موت غامض لزوجة صغيرة في السن يقول زوجها أنها ماتت كمدًا منه،
تحدثنا عن دهشة الطفلة مي وهي تنظر للوحة بها كلاب للصيد متساءلة كيف وصلت الكلاب لهذا المكان البعيد، وهل إن ذهبت هي إليه كيف ستعود؟
وعن تعجبها من أبلة مديحة والتشدد الديني الذي غيرها تمامًا هي وبناتها بصورة لا ترضي حتى ولديها..
للكاتبة نظرة الطفلة الفيلسوفة التي تتمعن في حياة أصحاب البيوت لم بعضهم هكذا، ولم تغيروا؟ هل الزمن هو من أحدث فيهم هذا التغيير؟ أم هي الظروف الاقتصادية مثلًا، هل الغيرة تودي بصاحبها أحيانًا؟ هل وهل كلها أسئلة ستطرحها مي بدهشة الطفلة وتجيب عليها بوعي الكاتبة..
وكما بيوت مصر، حدثتنا مي عن بيوت عاشت فيها خارج مصر، وكيف يصبح هذا البيت وطن ثاني لها، والعلاقات التي تنشأ في الغربة وكيف أنها تعوض حنين المرء للوطن، كانت قصصًا خفيفة ولطيفة كما برنامج خمسة سياحة، كما كانت أمكنة إلهام لمي الكاتبة كما تقول..
كان البلاط جزءًا لا يتجزء من أمكنة مي، نمشي عليه فلا يشكو، نسحب كرسيًا على رسوماته فلا تبكي، نستبدله أحيانًا فيردد:
“هكذا هي الحياة”.
جاء عنوان بلاط مزركش مع قصة عمارة شبين ، وجاءت بعض البلاطات لتعبر عن الحزن الممزوج بالأمل في قصة شقة شبرا، أو الممزوج بالتخيلات كالبلاط النبيذي اللون في قصة شقة الإسكندرية..
بعض القصص جاء طويلًا كما تقتضي الحكاية مثل أول قصة بيت البدو، وبعضها جاء قصيرًا في عدة أسطر مثل قصة شقة الدكتورة ملك..
حينما قرأت كلمة البسطة، هذه الكلمة المنقرضة، عادت بي الذكريات إلى منزل جديَّ وبسطة السلم في الدور العلوي والذي كانت ملتقى لعدة شقق صغيرة للغاية لا يتعدى بعضها غرفة واحدة..
للكاتبة روح مرحة تبهج نفس القارىء فها هي تنقبض من الدور السادس الذي ينتحر منه بعض الجيران، فتترك عمارتها وتسكن في بيت من طابقين ولفرحتها كما تقول أن شقتها في الدور السابع والسادس..
وكما المرح في خصال مي، فالتصوف وحب الله يكمن بداخلها فتظهره لنا بعد فراق والدها في قصة ” في بيتنا رائحة الأحباب” فتعود بي الذكريات لروايتها تمار والتي كتبت فيها دعاء أردده منذ قرأت العمل:
“يا رب فضلك آنسني وإحسانك دلني..
أسألك بك ربي أن لا تردني”..
لمي شاعرية ورهافة حس تتحدث بهما طوال العمل الذي تختمه بقولها:
فالعمر كالبيت..
يلامس أساسه الأدوار الأولى،
حيث تسمع أصداء لعب طفولي، ومارة وسيارة.
أما أدواره العليا، فتترفع عن الضجيج المتكرر،
لتقترب أكثر من السماء..
شكرًا مي على هذا العمل الذي حرك فينا الذكريات مثلما تحرك النسمات اللطيفة الشجرة التي تجلس تحتها نجوى صاحبة البيت المجاور لباب زويلة، مع تمنياتي لكِ بمزيد من الإبداع..