”كلنا خرجنا من معطف غوغول“
وُلد في أوكرانيا ومات في موسكو
ذهب إلى بيت المقدس لكي يحج لكنه لم يشعر بالراحة
هل اللوثة الدينية كانت السبب في رحيله باكراً؟
نيقولاي فاسيليفتش غوغول، وُلد في قرية سورتشينتسي قرب مدينة بولتافا الأوكرانية في 1 أبريل 1809 وتوفي في موسكو 4 مارس 1852. ويعدُّ من أكبر روائيي ومسرحيي الأدب الروسي، وواحد من مؤسسي المدرسة الواقعية في القرن التاسع عشر. تميّز بأسلوبه الكوميدي الساخر، وروايته”الأنفس الميتة” تعتبر من أهم أعماله مع أنها لم تكتمل لأنه أحرق بقيتها بعد اصابته بلوثة عقلية؛ يُقال إن السبب فيها كان قسيساً أدخل أفكاراً تحريمية في دماغه.
نشأته وحياته
وُلد غوغول في قرية سورتشينتسي قرب مدينة بولتافا الأوكرانية في 1 أبريل 1809 وتوفي في موسكو 4 مارس 1852. وتأثر في صغره بطريقة حياة الفلاحين في الريف الأوكراني، وتقاليد شعب (*القوزاق) وفولكلوره الغني. وكان أبوه كاتب مسرحيات من وحي الفلكلور الأوكراني. التحق بالمدرسة العليا في نيجين، وظهرت مواهبه الأدبية والفنية في سن الثانية عشرة، ونشر له أشعار في مجلة هناك، وكان قد قلد العجائز في مسرح المدرسة بطريقة كوميدية.
في سنة 1828 وبعد تخرجه من المدرسة، غادر غوغول إلى العاصمة سانت بطرسبورغ باحثاً عن وظيفة في السلك الحكومي، لكنه لم يجد عملاً، وتعرض للكثير من المتاعب المادية. حاول العمل ممثلاً، ولكنه لم ينجح في الاختبارات، فحاول أن يسلك طريقا أخر ويعمل شاعراً، فنشر على حسابه ديوان شعر عاطفي سرعان ما فشل فشلاً ذريعاً، فقام على إثرها بجمع كل نسخ الديوان وحرقها. وفكر أن يغادر روسيا ويهاجر إلى امريكا. استقل غوغول مركباً وسافر إلى ألمانيا على أمل أن يكمل المشوار إلى أمريكا من هناك. ولكنه أفلس في ألمانيا، ولم يبق معه من المال ليتابع السفر إلى أمريكا . فقرر الرجوع إلى سانت بطرسبورغ. وهناك أخذ يبحث عن عمل من جديد، حتى وجد وظيفة حكومية براتب متواضع جداً. بعد مرور ثلاثة أشهر استطاع العمل في وظيفة حكومية ثانية، ولكنه تركها أيضا بعد مرور عام ليدرس التاريخ في مدرسة داخلية للبنات.
أرياف أوكرانيا
ابتدأ غوغول بنشر قصص في بعض المجلات، وكانت مواضيعها عن ارياف أوكرانيا وعن معيشة الفلاحين في القرى هناك، وأدخل في القصص حكايات عن العفاريت والسحرة استخلصها من الفولكلور الأوكراني بأسلوب مضحك استعمل فيه ألفاظ وأمثال شعبيه أوكرانية. في تلك الأيام كان هذا الأسلوب جديدا في الأدب الروسي مما لفت أنظار القراء والنقاد اليه. في الفترة (1831 – 1832) كتب ثمانية حكايات انتشرت في مجلدين بعنوان “أمسيات في مزرعة قرب ديكانكا”، وفجأة أصبح غوغول من المشاهير بين يوم وليلة بين كتاب ونقاد كبار أمثال بوشكين، وچوكوڤسكي، واساكوڤ، وبلينسكي أصبحوا مهتمين به.
في سنة 1834 عين غوغول في جامعة سانت بطرسبورغ استاذا مساعدا في أدب العصور الوسطى، ولكنه وجد نفسه غير قادر على مثل هذا العمل، فتركه بعد سنة، وبدأ التحضير لنشر مجموعات قصصية جديدة في كتابين هما “ميرجورود” و”أرابيسك” الذين نشرهم سنة 1835. الأربع قصص التي كانت في مجموعة “ميرجورود” كانت تكملة لمجموعة قصص “أمسيات في مزرعة قرب ديكانكا” ، لكن غوغول استبدل فيهم أسلوبه الرومانسي بالأسلوب الواقعي التشاؤمي الذي يعكس انعدام القدرة على التجاوب مع الحياة، وفي نفس الوقت انعدام القدرة على الهروب منها. وتجلى ذلك في قصة “مشاجرة إيفان ايفانوفيتش وإيفان نيكيفوروفيتش” التي كانت فكاهية، ولكن مليئة بالمرارة من قسوة الحياة. وفي قصة “مُلاك زمان” على الرغم من كل الفكاهة التي كانت تشوبها سخرية من عجوزين عاشا من أجل الأكل، ولم يستطيعا فعل أي شيء غير الأكل في حياتهم. وفي قصة “مذكرات مجنون” البطل “زابيسكي سوماسشيدشي جو” موظف صغير قليل القيمة يعاني من الكبت، فعوض عنه بجنون العظمة (ميجالومانيا) الذي تطور معه إلى أن دخل مستشفى المجانين. قصة تراس بولبا كانت أيضا من ضمن مجموعة ميرجورود التي غيرها غوغول سنة 1845 بإضافة ثلاثة فصول. والقصة تحكي عن الصراع الذي دار ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر بين أوكرانيا الأرثوذكسية وبولندا الكاثوليكية، والتي لقيت نجاحا كبيرا في روسيا، واعتبرها غوغول واحدة من قصصه المحظوظة. تراس بولبا في القصة يصارع قمع حريات الناس واستسلام الناس لثقافات من خارج بلادهم .تم إنتاج فيلم هوليوودي سنة 1962 يحكي قصة تاراس بولبا.
المفتش العام
كان غوغول يثق جداً في رأي وذوق بوشكين الأدبي، ونشر سنة 1863 في مجلته الأدبية “قصة العربة” التي تعتبر بلا منازع من أحسن قصصه الساخرة، وقصته الغريبة السريالية الفكاهية “الأنف”. واستوحى غوغول من بوشكين فكرة مسرحية “المفتش العام” ورواياته البديعة “النفوس الميتة” التي تعتبر من أفضل الروايات المكتوبة في تاريخ الأدب الروسي بشكل خاص، والأدب العالمي بشكل عام.
كوميديا “المفتش العام” هاجمت وسخرت بدون رحمة من النظام البيروقراطي الفاسد في عهد القيصر نيقولا الأول. وباختصار تحكي كوميديا المفتش العام أن المسؤولين والموظفين الفاسدين في أحد أقاليم البلاد استقبلوا رجلاً سمينا جميل الهندام، وظنوا أنه “المفتش العام” . وأخذوا يقدمون له الرشاوي ويدعونه إلى المآدب لكي يغض بصره عن فسادهم الوظيفي. وبعد مغادرته احتفلوا بأنهم تمكنوا من الضحك عليه، وأثناء احتفالهم بنصرهم وصل ” المفتش العام ” الحقيقي فأصابهم الرعب. عرضت الكوميديا مرة واحدة في روسيا في 19 إبريل 1836 بأمر مباشر من القيصر نيقولا، وبعدها قامت ضجة كبيرة في الجرائد وفي الدوائر الحكومية، فمنعت من العرض مرة ثانية، ولدرجة أن غوغول اضطر إلى مغادرة روسيا في يونيو 1836 وتوجه إلى روما ومكث فيها بطريقة متقطعة حوالي 6 سنوات( لغاية سنة 1842).
شعر غوغول بالراحة في إيطاليا ولقي في روما الجو الديني الذي كان يميل اليه. وهناك قابل رسام اللوحات الدينية ” الكسندر إيفانوف ” الذي كان يعمل في روما وأصبحا صديقين . واندمج مع السياح والمهاجرين الأرستقراطيين الروس وكانت منهم الأميرة الروسية زينايدا ڤولكونسكي التي استقرت في إيطاليا بعد اعتناقها للمذهب الكاثوليكي، وكانت تناقش المواضيع الدينية في جلساتها.
الأنفس الميتة
كتب غوغول جزءاً من رواية الأنفس الميتة في سويسرا (خريف 1836 ) ، وكتب جزءا أخر في باريس (نوفمبر 1836 – فبراير 1837 )، لكن روما كانت المكان الذي كتب فيه غوغول معظمها (1837 – 1838 ). أطلق غوغول على هذه الرواية اسم ” ملحمة ” التي تصور روسيا الإقطاعية بنظام القنانة، والنظام البيروقراطي الفاسد الذي كان سائداً في تلك الأيام. غوغول كتب الجزء الأول من الرواية خلال حوالي 8 سنوات (من 1834 إلى 1842) ، وقرأ لبوشكين الفصول الأولى التي جعلت بوشكين يشعر بكآبة إلى أن صرخ ” يا إلهي! يا حزن روسيتنا”.
مختصر الرواية إن بطلها ” تشيتشيكوڤ ” الرجل النصاب الماكر الذي أراد أن يغتني ثانية بعد أن خسر ثروته. فأعد خطة ذكية لكن إجرامية، بأن يشتري من ملاك الإقطاعات أرواح العبيد الذين كانوا يعملوا عندهم وماتوا من فترة قريبة ولكن لم يتم تسجيل وفاتهم في السجلات الحكومية، وبذلك فهم لا يزالون على قيد الحياة .فعندما يتصل تشيتشيكوڤ بالملاك كانوا يفرحوا بالموضوع لانهم كانوا يدفعوا ضرائب للدولة عن عبيد غير موجودين. تشيتشيكوڤ كان ينوي رهن الأرواح إلى البنوك ويستقرض مالا ليتمكن من العيش كرجل محترم في إقليم بعيد لا أحد يعرفه هناك.
في هذه الرواية خلق غوغول شخصيات كثيرة بسلوك ونفسيات مختلفة، اشتهرت في روسيا بأسمائها. وطوال الرواية كان بطلها تشيتشيكوڤ يتنقل من بلد إلى بلد، عندما يشعر أن سره انكشف، وكان في كل مرة يقابل شخصيات جديدة. وبأسلوب فكاهي متمكن أرانا كيف كان يُعامَلُ العبيد في تلك الأيام، وكيف كان يتم شرائهم مثل الحيوانات .
نشر الجزء الذي كتبه غوغول من روايته النفوس الميتة سنة 1842 بعدما رفضت الرقابة نشرها تحت عنوانها “الملحمة” بحجه أن غوغول بهذا العنوان ” يعترض على فكرة الخلود “، وإنه من الأفضل تسميتها ” مغامرات تشيتشيكوڤ أو الأرواح الميتة ” فوافق غوغول لحاجته في ذلك الوقت للمال.
في نفس السنة غوغول نشر بعض من روايته القصيرة، كان من ضمنها رواية ” المعطف ” التي وصفها الأديب العملاق دوستويفسكي بأنها ” الرواية اللي خرجت من عباءتها كل الروايات الواقعية التي ظهرت في روسيا “. تحمس القراء والنقاد في روسيا للجزء الذي نشر من الأرواح الميتة، وشعروا أن غوغول من الممكن أن يملأ الفراغ الأدبي الذي حل في روسيا بعد وفاة أمير الشعراء بوشكين المفاجئ في 1837 .
وبهذه الرواية تربع غوغول على قمة الهرم الأدبي في روسيا. لكنه لم يكن مقتنعاً جداً بالذي كتبه، وكتب جواب للشاعر چوكوڤسكي قال فيه ” ان الذي نشر لا يساوي شيئاً مما سيكتبه ” . وبدأ غوغول النظر للموضوع من منظور شخصي . وتسللت لرأسه فكرة دينية فحواها أن الرب حباه بموهبة أدبية كبيرة ليس فقط ليعاقب الفساد عن طريق إضحاك الناس، لكن ليُظهر لروسيا الطريق الصحيحة للعيش في عالم شرير. في مارس سنة 1841، كتب غوغول لأحد أصدقائه في موسكو: ” مشيئة ربنا المقدسة.. مثل هذه الأفكار ليست من وحي البشر. لا يوجد إنسان يمكن أن يفكر في هكذا موضوع ” . وعلى هذا الاساس قرر غوغول انه يكمل روايته على انها مثل ” كوميديا إلاهية ” نثريه. واعتبر الجزء الذي نشر يمثل بالنسبة لروسيا جحيم دانتي في الكوميديا الإلهية.
هوس ديني
بعد ذلك دخل غوغول في متاهة دينية، ووجد نفسه غير قادر على اكمال الرواية. كتب غوغول في اعترافات مؤلف: “جلست لكي أكتب فوجدت نفسي غير قادر أن أكتب شيئاً . في كل مرة كنت أحاول الكتابة كان الموضوع ينتهي بمرض وتعب، إلى أن توقفت عن الكتابة لمدة طويلة”.
خلال عشر سنين كتب غوغول الجزء الثاني من روايته ( من 1842 لـ 1852 )، ولم يكن راضياً عن ما كتبه. وخطرت في دماغه فكرة أن الرب، لسبب ما، لا يريد أن يكون غوغول هو من يرشد الناس لحياة أكثر خيرا. لكن على الرغم من ذلك قرر أنه يمكن أن يقوم بتوصيل الفكرة والعمل كمعلم وواعظ بدون أن يستخدم قدراته الفنية، فكتب “مختارات من مراسلاتي مع اصدقائي” (1847) وهي عبارة عن مجموعة من الخواطر. وكانت النتيجة بشعة جداً، حيث قام القراء والنقاد بمهاجمة الكتاب، وكان من ضمنهم الناقد الكبير بلينسكي الذي كان معجباً بغوغول ومادحا له طوال الوقت، وكتب له جواب قال له فيه أنه بكتابه هذا أصبح “واعظ جلاد يدافع عن الظلمات وأبشع أنواع القهر”. بهذا الهجوم شعر غوغول انه فعلاً مذنب كبير، وأن الرب تخلى عنه بالكامل، فأصيب بوسواس ديني وبدأ يكتر صلواته ويبعد أكتر عن الحياة والمجتمع..
وفي سنة 1848 ذهب إلى بيت المقدس لكي يحج لكنه لم يشعر بالراحة. وعندما عاد إلى روسيا أخذ ينتقل من مكان إلى مكان إلى أن استقر في موسكو، وهناك قابل قسيسا متطرفا دينيا اسمه “الأب ماتفي كنستنينوڤسكي”الذي أدخل في دماغه أفكاراً تحريمية غريبة وسيطر عليه، وأمره بفعل أشياء. وكان منها أن يقوم بحرق مخطوط الجزء الثاني من روايته “أرواح ميتة” الذي لم يكن قد نشره بعد، فحرق غوغول المخطوط يوم 24 فبراير سنة 1852، ولجأ بعد هذا اليوم إلى السرير رافضا كافة أنواع الطعام ليتوفى بألمٍ فظيعٍ بعد تسعة أيامٍ في 4 مارس من العام نفسه، دُفن جوجول في دير دانيلوف، وعندما قررت السلطات في موسكو هدم الدير نُقلت جثته إلى مقبرة نوفوديفيتشي.
معطف غوغول
من أين جاءت مقولة ” كلنا خرجنا من معطف غوغول ” ، ولماذا تنسب إلى دوستويفسكي تحديداً ؟
كان الكاتب والدبلوماسي الفرنسي يوجين ميلكيور دي فوجو (1848-1910) سكرتيراً للسفارة الفرنسية في العاصمة الروسية بطرسبورغ بين عامي 1876 ،1882 ، وتزوج في عام 1878 الكساندرا انينكوفا شقيقة الجنرال الروسي ميخائيل انينكوف . درس فوجو اللغة الروسية ، والأدب الروسي ، وكان على معرفة وثيقة بالوسط الأدبي الروسي ، وتربطه علاقات صداقة بكبارالأدباء الروس (تورغينيف ، دوستويفسكي ، تولستوي ، غريغوريفيتش ، وغيرهم).
في عام 1885 نشر فوجو سلسلة مقالات أدبية في مجلة ” استعراض العالمين ” الباريسية عن عمالقة الادب الروسي . كان المقال الأول في تلك السلسلة عن فيودور دوستويفسكي ويقول فوجو : ” بين عامي 1840 ، 1850 ، خرج الكتاب الثلاثة ( تورغينيف ، دوستويفسكي ، تولستوي ) من معطف غوغول ، خالق الواقعية. ويقول الكتّاب الروس بحق : كلنا خرجنا من معطف غوغول “.
ويقول فوجو في مقاله المكرس لأدب غوغول المنشور في عدد ابريل 1885 من المجلة المذكورة : ” كلما قرأت نتاجات الكتّاب الروس أكثر ، فهمت على نحو اقضل الكلمات التي قالها لي كاتب روسي اسهم بشكل فعال جداً في تاريخ الادب الروسي خلال السنوات الاربعين الاخيرة ( كلنا خرجنا من معطف غوغول). ثم سنرى كيف ان هذه القرابة تتجلى لدى دوستويفسكي . ان هذا الروائي المدهش قد خرج بأسره من كتابه الاول ( المساكين ) ، والبذرة الجنينية لهذا الكتاب موجودة في معطف غوغول “.
وقد أعاد فوجو نشر هذه المقالات مع مقدمة ضافية في كتابه ” الرواية الروسية ” الصادر في باريس عام 1886 . وسرعان ما ترجم الكتاب الى اللغة الروسية عام 1887
ويمكن الاستنتاج من كلام فوجو ان الكاتب المقصود هو دوستويفسكي تحديداً ، الذي دخل الى الادب قبل اربعين عاماً بالضبط من تأريخ نشر كتاب فوجو في عام 1886 – حين صدرت روايته الأولى ” المساكين ” عام 1846 . وبذلك فان فوجو وضح وحدد الى حد كبير الفكرة التي طرحها في مقالاته عن الادب الروسي “.
ان من يتمعن في نص رواية ” المساكين ” لدستويفسكي ، سيجد مشهداً يقرأ فيه ديفوشكين قصة المعطف ، وقد بيّن المؤلف كيف ان ديفوشكين قد خرج من معطف غوغول .
دوستويفسكي استوعب وطوّر الموضوع الذي اكتشفه غوغول ، ولكنه عالجه على نحو مختلف تماماً .
في 26 ابريل 1909 شارك فوجو في الاحتفال الذي جرى في موسكو لمناسبة الذكرى المئوية لميلاد نيكولاي غوغول وألقى فيه كلمة جاء فيها :” ان كل هذه الاجيال الادبية خرجت من معطف غوغول ، معطف اكاكي اكاكيفتش الموظف البسيط المثير للشفقة ، عباءة نبي الكتاب المقدس التي تركت للتلاميذ ، وساعدتهم في الصعود الى السماء . هذا الرجل الصغير الذي تم تشريحه كدواء ، هو موضوع سخرية وشفقة مؤلمة ، والذي خدم اكثر من مرة كنموذج لدوستويفسكي ” . وظهرت المقولة بصيغتها الحالية ايضا عام 1891 في سيرة فوجو التي كتبها الناقد الروسي يفغيني سولوييف (1863-1905) . ونسب سولوفييف المقولة الى دوستويفسكي ، دون لبس أو غموض .
اما الناقد الروسي المهاجر فلاديمير فيدل فقد ذكر في كتابه ” التراث الروسي ” ان العبارة تعود الى الكاتب الروسي الكبير ديمتري غريغوريفتش – الذي كان احد الكتاب المقربين من فوجو . ويعلل فيدل ذلك بأن غريغوريفتش دخل الادب في وقت واحد مع دوستويفسكي قبل اربعين عاماً من تأريخ نشر كتاب فوجو .
ويعتقد (عالم النصوص ) الروسي سلمون ريسر ( 1905- 1989 ) في مقاله المنشور في العدد الثاني من مجلة ” قضايا الأدب ” لعام 1968 – وكانت من اهم المجلات الأدبية السوفيتية الرصينة المتخصصة في النقد الأدبي – ان المقولة هي استنتاج عام يعود الى فوجو نفسه بعد اللقاءات العديدة التي اجراها مع ابرز الكتاب الروس خلال فترة اقامته في روسيا .
وقد القى الناقدان سيرغي بوتشيروف و يوري مان ، المزيد من الضؤ على هذه المسألة في مقالهما المشترك المنشور في العدد السادس من قضايا الادب لعام 1868 . وهما يميلان الى الاعتقاد بان المقولة تعود الى دوستويفسكي ، ويشيران الى ان دوستويفسكي بدا نشاطه الادبي قبل اربعين عاما من ظهور كتاب فوجو” الرواية الروسية “.
وصفوة القول ان فوجو كلما تحدث عن دوستويفسكي واعماله في مناسبات عديدة ، وفي سياقات مختلفة ، تذكر تلك المقولة الشهيرة ولكنه ، لم يجد من المناسب ان ينسبها الى الكاتب العملاق فيودور دوستويفسكي صراحة ، بل لمح الى ان مؤلف رواية ” المساكين ” هو صاحب هذه المقولة ، وليس اي كاتب آخر . وكل من يقرأ كتابات فوجو بتمعن يتوصل الى الأستنتاج ذاته.
أعمال خالق الواقعية
كان تأثير غوغول في الأدب الروسي كبيرا جداً. رواياته “أرواح ميتة” ولو إنها ناقصة، و”المعطف” ، ومسرحيته “المفتش العام” أسسوا مدرسة أدبية جديدة في روسيا إسمها “المدرسة الطبيعية” (natural school) البعيدة عن المدارس “الرومانسية” (romantic school) و”الخطابية” (rhetorical school) التي كانت سائدة قبله. غوغول كان من أوائل الأدباء الروس الذين أظهروا لروسيا نفسها. على عكس أسلوب الكتابة الكلاسيكية – الواقعية (classical-realistic) الذي أسسها أمير الشعراء بوشكين والتي استخدمها فيما بعد كتاب أمثال ليف تولستوي وتورجينيف، أسلوب كتابات غوغول انتقل لكتاب أمثال دوستويفسكى واندريه بيلي الذين أثروا بدورهم في كتاب كثيرين آخرين في فترة ما بعد الثورة الروسية. واقعية غوغول الاتهامية لقت مؤيدين كثيرين كان منهم الأديب الساخر ” ساليكوف چخدرين “. غوغول أيضا أوجد شخصية “الرجل الصغير” كبطل في الأعمال الأدبية.
ومن أعماله:
روايات:النفوس الميتة ( 1842 – كان من المخطط أن تكون الجزء الأول من ثلاثية).
مسرحيات: المفتش العام ، والزواج .
قصص: ميرجورد، مجموعة من القصص القصيرة: تاراس بولبا، وايڤان ايڤانوفيتش وايڤان نيكيڤوروڤيتش، ومُلاك أيام زمان، وڤيي. والأمسيات في قرية قرب ديكانكا.
مجموعة من القصص القصيرة في مجلدين: ايڤان ڤيودوروڤيتش شبونكا وعمته، وليلة عيد الميلاد، والرسالة المفقودة ، وليلة في مايو ، والمنطقة المسحورة.
الآرابسك : مجموعة من القصص القصيرة: البورتريت، وشارع نيفسكي، ومذكرات مجنون، والمعطف، والأنف، والعربة.
*القوزاق (بالروسية:Казаки، بالوكرانية:Козаки) هم مجموعة أثنية للسلافيين الشرقيين الذين يقطنون بجملتهم السهوب الجنوبية في شرق أوروبا وروسيا وكازاخستان وسيبيريا. وهناك أكثر من فرضية بشأن أصل القوزاق ومن أين ينحدرون، ثمة فرضية تقول إن القوزاق هم فئة عسكرية من الناس ضمن روسيا. ولا يوافق على ذلك القوزاق انفسهم، إذ يعتبرون ان أصولهم أعرق بكثير. ومن المعتقد ان موطن القوزاق هو خط من القلاع والحصون كان يمر من نهر الفولغا الوسطى باتجاه مدينتي ريازان وتولا ثم ينعطف نحو الجنوب ويصل إلى نهر الدنيبر في منطقة مدينتي بوتيفل وبيرياسلاف.