الممثل المعروف كيانو ريفز، وصل إلى أعلى درجات الشهرة من خلال أفلام الأكشن المعروفة لدى عشّاق السينما، مثل ثلاثية ماتريكس، وفيلم السرعة أو “سبيد” وغيرها. وقد كرّس ريفز هذه الشهرة في القرن الحادي والعشرين، من خلال بطولته لسلسلة أفلام جون ويك، التي شاهدنا ثلاثة من أجزائها، كان الأخير منها في هذا العام. لكن من هو جون ويك، وما هو عالمه الغريب الذي يشد المشاهدين دائما؟
بالطبع فان كيانو ريفز النجم الهوليوودي الذي يحمل مبادئ ومثلا أخلاقية عالية، هو عنصر الجذب الأهم في هذه الأفلام، بوجهه الجدي، الوسيم الصارم، الذي يميل إلى الكآبة والحزن، وبمهاراته في الفنون القتالية الآسيوية التي تدرب عليها في سلسلة أفلام ماتريكس، ولياقته البدنية العالية الملائمة لأفلام الأكشن.
جون ويك قاتل محترف، من الطراز الأول الذي يقهر العشرات في سبيل تحقيق أهدافه. لذا هو شخصية معروفة في عالم العصابات، يهابها الجميع ويحترمها الخصوم والأصدقاء. لكن ويك يقع في الحب في أحد الأيام، وتتبدّل حياته كليا.
إذ يرتبط بحبيبته، ويندم على حياته السابقة، ويدفن ترسانته من الأسلحة إلى الأبد تحت خرسانة مسلحة، ليتزوج من يحب وينسى عالم القتل والإجرام إلى الأبد. ويحترم جميع شركائه السابقين ابتعاده واعتزاله الجميل الهادئ، برفقة زوجته المحبة. لكن المرض لا يرحم زوجته، فيأخذها منه، ويتركه في صدمة عنيفة من الحزن والذكريات المشتركة. وتصبح حياته تكرارا كئيبا مملا في بيت كبير، صحبة كلب صغير أهدته له زوجته، وصله بعد وفاتها كذكرى أخيرة منها، إضافة إلى سيارتهما القديمة الثمينة، التي شهدت أجمل أوقاتهما معا، وأصبحت بيتا حميما ثانيا لهما. هذا هو جون ويك الذي يستحق الشفقة والتعاطف من الجميع.
رحلة الانتقام
في الفيلم الأول من السلسلة 2014 يتعرض ويك إلى اعتداء غاشم من قبل عصابة روسية، تطيح بذكرياته الحميمة مع زوجته، ونقصد بذلك الكلب الصغير والسيارة. وهنا تبدأ رحلة الانتقام الذي لا يرحم فيه ويك أحدا من العصابة، من خلال أحداث مشوقة، وإصرار لا يتوقف إلى أن يشفي غليله. وفي هذا الجزء أيضا، ندخل إلى عالم القتلة الخاص. وعلى عكس ما نتوقع، نجده عالما مرسوما بدقة، كما لو انه بنك محترم توثق فيه عقود القتل، وترسل إلى هذه الإدارة أموال الجوائز مقدما. وضمن عالم القتلة هذا، هناك فندق خاص، له فروع في المدن الأوروبية الكبرى، فندق بمثابة أرض حرام يسمى الكونتيننتال، يستريح فيه الجميع، ويمنع فيه القتل منعا باتا. من يقتل شخصا فيه، يعرض نفسه للقتل من قبل جميع القتلة، مقابل جوائز خيالية. هذا الفندق، أحد المعالم الرئيسية في حكاية جون ويك. ويضاف لهذا، مداليات الدين المكتوبة بالدم، التي تفرض على الشخص ان يرد الخدمة لحامل المدالية أو النوط. الامتناع عن رد الخدمة أو الفشل في ردها لحامل النوط، يؤدي إلى قتل الفاشل فورا مقابل جائزة كبرى على رأسه.
في الجزء الثاني من الفيلم 2017 بعد أن ينتهي ويك من مهمته الشاقة، يعيد أسلحته إلى تحت الأرض، ويغطيها بطبقة من الكونكريت. لكن القدر لا يتركه يرتاح، إذ يزوره ايطالي كان قد ساعده على ترك عالم القتل والزواج، لكنه اليوم في حاجة ماسة لخدمة “قتل” من ويك، في روما. ويحاول ويك التهرّب، لكن من دون جدوى. ينصحه الكبار بتنفيذ أو رد الدين. ويرجع ويك من جديد إلى عالم الاغتيالات الفردية والجماعية. لكن في روما التاريخية الجميلة هذه المرة، وكالعادة التشويق والأكشن في أعلى المستويات من الاتقان، وريفز هو النجم المحبوب الذي يدمجنا في شخصية ويك، القاتل المحترف غير الشرير. ويصبح المشاهدون شركاء بأعصابهم وعواطفهم لويك، وعندما يتعرض للغدر من الايطالي صاحب الدين، يندفع ويك في سلسلة من التصفيات، تنتهي بفعل أحمق يتجرأ عليه في نوبة غضب داخلي، تدفعه لارتكاب الحماقة الكبرى، وهي ارتكاب جريمة قتل في الفندق المحرّم. ليصبح طريدا ومطلوبا من جميع القتلة، والجائزة على رأسه تتضاعف إلى ملايين من الدولارات.
البحث عن أصدقاء
في الجزء الثالث من السلسلة 2019 الذي توقعنا ان يكون الخاتمة، هناك تمثيل وحوار أكثر من الأجزاء السابقة. وهناك فرصة للتأمل والحديث والتذكر، والبحث عن أصدقاء من الماضي. ويحاول ويك جاهدا التخلص من مطارديه القتلة، وصائدي الجوائز، وحرس قيادة عالم الاغتيالات. في هذا الجزء نتعرف على أجزاء أخرى من عالم جون ويك، الذي يشمل عصابات أخرى في نيويورك، وأشخاص آخرين يساعدونه في الهرب إلى كازابلانكا هذه المرة. وهناك تحدث مغامرات ومعارك مشوقة جدا، ونلتقي بالجميلة هالي بيري، التي تساعد جون ويك للوصول إلى الرئيس الأعلى في هذا العالم، كي يطلب منه العفو عن حماقة قتل شخص في الفندق المحرم. ومقابل هذا العفو، على ويك من جديد الاستمرار في القتل وتصفية خصوم القيادة، وتبديل الولاءات في كل لحظة، وخيانة تعهداته التي قطعها لرؤسائه في الصحراء المغربية. فيلتقي برفيقه في ماتريكس الفنان لورنس فيشبورن، والفنانة انجليكا هيوستن وآخرين. ويحاول الكاتب ديريك كولستاد هنا توسيع عالم جون ويك، من أجل المعركة النهائية. وهذا واضح في عنوان الفيلم الفرعي الإعداد للحرب من أجل تحقيق السلام! كما يقول المثل اللاتيني القديم.
وبالطبع، يبهرنا كيانو ريفز بانغماسه في دوره كقاتل محترف متفوق، وكضحية لتلاعب الأقدار به، وتلاعب قادة عالمه الإجرامي به أيضا. أنه يحاول البقاء على قيد الحياة، من أجل تذكر حبيبته الراحلة فحسب، لكن عليه أن يقتل الكثيرين من أجل هذا الهدف. ورغم تماهينا معه في صراعه المستمر، بانتظار أن نصل إلى انتصار مريح ينهي هذا الشدّ والتوتر، إلا أن المغامرة تستمر ولا تتوقف، بل علينا الانتظار إلى عام 2021 من أجل الجزء الرابع، الذي قد يكون هو الخاتمة.
ان هذه السلسلة من الأفلام، مبنية على هندسية ألعاب الفيديو، إذ على البطل أو اللاعب أن يقتل الخصوم الثانويين في كل مرحلة، ليصل إلى الرئيس، ليقتله كي يتقدم في مهمته إلى المرحلة التالية، وصولا إلى الخصم الرئيسي في النهاية والتخلص منه. هذه الهندسية التي لا ينتبه لها معظم المشاهدين، هي التي تدمجهم مع شخصية البطل، وكأنهم هم اللاعبون. وقد رسم السيناريو في مراحل ومدن مختلفة لتشد المشاهدين، ومشاهد الأكشن منفذة بذكاء وإتقان، وبعيدة عن الملل والتكرار، كما تمتزج فيها فنون قتالية مختلفة.
ومن حسابات صندوق التذاكر، نلاحظ أن هذه الأفلام تتصاعد مداخيلها، كلما تقدمنا في السلسلة، رغم تصاعد كلف الإنتاج أيضا. لكن في كل فيلم تصل المداخيل إلى حوالي أربعة أضعاف كلف الإنتاج. وهذا ما دفع الكاتب كولستاد والمخرج تشاد ستالسكي إلى الاستمرار في السلسلة وتوسيع شخصياتها وأحداثها، علما أن المخرج هو شخصية معروفة في عالم السينما، إذ كان يلعب دور البديل للأبطال في المشاهد الخطرة، وعمل في فيلم ماتريكس مع كيانو ريفز على سبيل المثال. لذا رسما هو والكاتب شخصية البطل، وفي ذهنهما الممثل كيانو ريفز بالذات للقيام بدور جون ويك، وبالفعل فان ريفز لم يخيب الظن إطلاقا.