عصرُ الحمير
د. عاطف الدرابسة
قلتُ لها
كثيرةٌ هي الأشياءُ التي أريدُ أن أكتُبَ عنها ، حينما أُغرِقُ عقلي في عينيكِ ، وفي تفاصيلِ البلدِ ، غير أنَّني أحتاجُ إلى عقولٍ أوسعَ من عقلي ، تستطيعُ أن تعالجَ البياناتِ بأقصى سرعةٍ ممكنةٍ ، ربَّما أحتاجُ إلى عقلِ النَّارِ ، أو عقلِ حمارِ ديونسيوس ، أو عقلِ ذكرِ الماعزِ (التَّيس) ، وهو يُقارِعُ الأُسودَ والفهودَ والنُّمور ، أو أحتاجُ إلى عقلِ حوتٍ بريٍّ ، يعرفُ كيف يبتلعُ البلد
ليتني أملكُ عقلاً ذا ذاكرةٍ أسطوريَّةٍ لأكتُبَ عن الوطنِ ، عن الدِّينِ ، عن النُّقادِ ، عن الشُّعراءِ والعسكرِ ، عن سماءٍ تنفي النُّجومَ ، عن وطنٍ ينفي الشُّعراءَ ، عن ليلٍ لا تغفو فيه الأحلامُ
بالأمسِ كنتُ في أُمسيةٍ تتحدَّثُ عن الحمارِ ، جلسنا ساعاتٍ ثلاثةً ، نتناقشُ في فكرِ الحمارِ ، وفي فلسفتهِ ، وأيدولوجيَّته ، ورمزيَّته ، ووظيفتِه ، وقوَّته الجنسيَّةِ ، والرُّوحانيَّة ، وعشقه للنَّساءِ ، وصحبتِه للأنبياءِ ، فاكتشفتُ ذاتي ، واكتشفتُ ما يجري في البلدِ ، وما يجري للعربِ ، وأدركتُ أنَّنا لم نرتقِ عقليَّاً لفهم تجليَّاتِ الفلسفةِ الحِماريَّةِ ، كما اكتشفتُ أنَّ ثمَّةَ فجوةً عميقةً بين العقلِ النَّقدي العربي ، والعقلِ النَّقدي الحِماريِّ
لا أعرفُ لماذا خُدِعنا حين تآخينا بالرَّضاعةِ مع العجولِ ، والخِرافِ ، ليتنا رضعنا من ثدي أنثى الحمارِ (الأتان)
منذ اليوم لن أشربَ إلَّا حليبَ الأتانِ ، لعلَّني أتحمَّلُ أكثرَ ، وأصبرُ أكثرَ ، وأُظهرُ للنَّاسِ عجزي وقصوري ، كما أُظهرُ حبِّي لكِ وللبلدِ
سأشربُ حليبَ الأتانِ لتستعيدَ حنجرتي الصَّوتَ ، فأصرُخَ بالنَّهيقِ : إنَّنا الآنَ نعيشُ في عصرِ الحمير
هامش : ما زالت الفجوةُ كبيرةً بين عقولِ البشرِ ، وعقولِ الحميرِ ، ربَّما نحتاجُ إل مئةٍ عامٍ من البحثِ والتَّجريبِ لنرقى إلى مستوى عقولِ الحمير
د. عاطف الدرابسة