حنان عقيل
الإثنين 22/يوليه/2024 – 11:40 ص
عمادالدين عيشة
– المؤلفون العرب يعيشون فى جزر منفصلة.. والفجوة كبيرة بين الخيال العلمى العربى والغربى
يعمل عمادالدين عيشة عالمًا للاجتماع وأستاذًا جامعيًا بدوام جزئى، يدرّس ويكتب باللغة الإنجليزية. ولد عيشة فى المملكة المتحدة عام 1974 لوالدين من أصول عربية، وحصل على درجة الدكتوراه فى إنجلترا عام 2001 فى الدراسات الدولية، ثم عمل بالتدريس فى جامعات اللغة الإنجليزية فى مصر منذ ذلك الوقت وحتى عام 2015، وعمل بالصحافة والترجمة. قدّم إسهامات إبداعية ونقدية فى مجال الخيال العلمى، فبعد انضمامه إلى الجمعية المصرية للخيال العلمى فى عام 2016 انخرط فى الكتابة عن الخيال العلمى، وأصدر مختارات قصصية بعنوان «الهيدرا الرقمية» ترجمت إلى العربية، ويعمل حاليًا على رواية تدور أحداثها على كوكب المريخ، وأيضًا سلسلة تجسس تدور أحداثها فى المستقبل.
فى هذا الحوار، يحدثنا الأكاديمى والكاتب عمادالدين عيشة عن واقع أدب الخيال العلمى فى العالم العربى وأبرز اهتماماته وأوجه اختلافه عن الخيال العلمى الغربى من واقع متابعته، وتحريره لكتاب «الخيال العلمى عند العرب والمسلمين».
■ شاركت فى تحرير كتاب «الخيال العلمى عند العرب والمسلمين». ما الأهمية التى يمثلها هذا الكتاب؟
– يمثل الكتاب ٢٩ دولة من خلال ٤٥ مساهمًا «١٤ امرأة» من ٤ قارات، مع ٤٥ فصلًا، و١٣ مقالًا أكاديميًا مفصلًا، و١٧ مقابلة متأنية. و١٥ مقالًا لكُتاب الخيال العلمى. شاركت فى تحرير الكتاب بأكمله، وكتبت فصلين خاصين بى، وأنجزت الترجمة بأكملها.
لا يوجد كتاب مثله فى السوق، قبله أو بعده. هناك كتب أخرى عن الخيال العلمى العربى لكن كتبها أكاديميون أجانب، وهى ليست مكتوبة بضمير المتكلم لكتابنا ومحررينا ونقادنا وناشرينا ومدونينا. هذا أمر فريد من نوعه، إذ يتحدث الناس عن تجاربهم الشخصية والمعارك الشاقة التى خاضوها وما هو فريد من نوعه فى الخيال العلمى فى بلدهم، وما هو الخطأ فى الخيال العلمى فى بلدهم مختلف عن بلد آخر. سيفاجأ القارئ حين يعرف ما يحدث فى ليبيا واليمن، ناهيك عن أفغانستان وأوزبكستان!
أهم ما يكشفه الكتاب هو أن المؤلفين فى العالم العربى يعيشون فى جزر صغيرة، لا يعرفون ما يجرى فى البلد المجاور، ولا يقرأون حتى ما كتبته الأجيال السابقة فى نفس البلد الذى يعيشون فيه، ومن ثم يبدأون من الصفر فى كل مرة، الأمر الذى يهدر الكثير من الوقت، ويجبرهم على تقليد الخيال العلمى الغربى الأكثر رسوخًا.
ولكن هناك بعض المزايا، فلدينا طريقتنا الخاصة فى رواية القصص وتقديم رحلة البطل، لدينا الشاطر حسن والسيرة الهلالية وألف ليلة وليلة، وبعض مؤلفينا الأكثر إبداعًا يستمدون منهم روايات مثيرة ومختلفة. ومن بينهم أحمد صلاح المهدى، والدكتور حسام الزمبيلى، وكذلك الدكتور فيصل الأحمر فى الجزائر.
■ هل ترى أن الفجوة بين أدب الخيال العلمى العربى ونظيره الغربى لا تزال كبيرة؟
– نعم، الفجوة كبيرة جدًا. نحن لا نكتب فى مجموعة كاملة من الأنواع الفرعية. لدينا بالفعل أعمال فى بعض هذه الأنواع المتعلقة بالغزو الفضائى والسايبربانك والديستوبيا و«ستيم بانك»، لكننا لم نقدم سوى حفنة من الأعمال المعدودة فى أنواع أخرى مثل «سولاربانك»، و«هوب بانك»، كما أنه ليس لدينا الخيال العلمى فى العلوم الاجتماعية، مثلما نجد فى رواية «كثيب» لفرانك هربرت أو سلسلة الخيال العلمى «القاعدة» لإسحاق أسيموف. على الرغم من أن لدىّ بعض القصص القصيرة التى تركز على ذلك، فأنا كاتب فى العلوم الاجتماعية.
ومع ذلك فإننا نعمل على تطوير الأنواع الخاصة بنا. هناك الخيال العلمى الصوفى، الذى كان موجودًا عند الدكتور مصطفى محمود فى الستينيات، والآن عند الدكتور فيصل الأحمر وبعض المؤلفين المصريين الأقل شهرة. لدينا خيال علمى منطلق من نظرية المؤامرة، مثل الدكتور طالب عمران فى سوريا وإسلام سمير عبدالرحمن فى مصر، وهناك نوع خاص من الديستوبيا يقدمه معتز حسانين، ولدينا أوبرا فضائية مبتكرة وقصص وروايات الأبعاد المتوازية للدكتورة عبير عبدالجليل إبراهيم وعمار المصرى ووائل ومحمود عبدالرحيم ومحمود فكرى وعبدالعال بخيت وساندرا سراج. نحن نحب الأكوان الموسعة المليئة بالثقافات والأشخاص والكواكب المثيرة للاهتمام، ونرغب فى التعلم من الحضارات الأخرى طوال الوقت.
■ من متابعتك لروايات الخيال العلمى العربية، ما هى أبرز الاهتمامات التى ترى أنها تسيطر عليها؟
– نحن شعب أخلاقى للغاية، بصفتنا عربًا ومسلمين، وأكثر من ذلك مصريين، نريد أن ينتصر الأخيار وأن يكونوا رحماء بالعدو ويكسبونه إلى جانبنا. نريد أن يعيش الجميع فى سلام ووئام. حرفيًا. لقد رأيت هذا فى أوبرات الفضاء وملاحم الغزو الفضائى. نحن أيضًا لا نحب الحروب وغالبًا ما نحاول تصور طرق للعيش والاختلاط بسلام مع الحضارات الغريبة. ليس لدينا هذه الطريقة الداروينية «البقاء للأصلح» فى التفكير، نحن لطيفون جدًا.
نحن أيضًا تربويون للغاية، نعتبر الروايات والقصص بمثابة إرشادات أخلاقية وعلمية للناس وللقراء الشباب، تقدم لهم دروسًا حول كيفية أن تكون معاصرًا وقائدًا ديمقراطيًا وتأخذ آراء الناس وتحصل على أصوات، حتى فى أشد الأزمات، وهذا جيد جدًا.
وبشكل أكثر عمومية، نحن مهتمون بوحدة الأسرة وبالقيم الروحية أكثر من المؤلفين الغربيين، ولا نحب القراءة المادية للتاريخ. نهتم أكثر بالبيئة ونريد تحويل الصحارى إلى اللون الأخضر. وأخيرًا، هناك الأخلاق على مستوى المجتمع، وليس على مستوى الفرد فقط.
ما تعنيه الديستوبيا بالنسبة لنا هى الحرب الأهلية؛ أن ينقلب الناس ضد بعضهم البعض، وأن تنهار الأخلاق. اقرأى الفصل الأول من رواية «عطارد» وستجدى قصة رجل أعمال خسر كل أمواله وقتل كل عائلته وأكلهم، تعرفين أن هذا يأتى من العناوين الرئيسية عن سمسار البورصة الذى ذبح عائلته بعد أن خسر كل أمواله فى البورصة، ثم توفى فيما بعد فى السجن.
لديك أيضًا رواية «الطابور» لبسمة عبدالعزيز، والتى تدور حول البيروقراطية وطوابير الخبز والناس الذين يتقاتلون على فتات الخبز. قصة قديمة لكنها تُروى بطريقة جديدة ومضحكة وتكنولوجية.
وأخيرًا هناك التنمية الاقتصادية والاستقلال السياسى، من خلال التكنولوجيا والتقدم. لقد قمنا فى الجمعية المصرية لأدب الخيال العلمى بإعداد مختارات خاصة عن الاقتصاد «الاقتصاديون»، هى الأولى من نوعها فى العالم العربى كله. لم يسبق لأحد أن كتب مجموعة من القصص عن الاقتصاد: نظرية التجارة الحرة والمنافسة والاحتكار والاعتماد الاقتصادى على سلعة واحدة «مثل النفط» والشركات المتعددة الجنسيات التى تحاول سرقة ثرواتنا واختراعاتنا، وإذا كان للمال أى معنى لو كان افتراضيًا، وإن كان المال مهمًا إذا لم يكن بإمكانك أن تكون قريبًا من أحبائك وعليك مقابلتهم افتراضيًا. إنها رائعة وفريدة من نوعها مقارنة بـالخيال العلمى الغربى.
■ هل تعتقد أن نقد أدب الخيال العلمى فى العالم العربى ما زال محدودًا؟
– نعم إنه محدود جدًا. أعرف السبب، قرأته بطريقة غير مباشرة فى كتاب «آفاق العصر» للدكتور جابر عصفور. وكشف عن أنه فى العصر الناصرى، أعتقد فى الستينيات، اتخذ قرارًا بإعطاء الأولوية للواقعية الاشتراكية والمادية الماركسية على كل شىء آخر، وتحديدًا الخيال. عانت السخرية والسريالية، وحتى الصوفية.
أود أن أقول أيضًا إن النقاد لا يعرفون ما هو الخيال العلمى. إنهم يعتقدون أنه سريالى وبالتالى مضيعة للوقت، فهم لا يفهمون أن الخيال العلمى نوع عملى وواقعى من الأدب، يتعلق بالحلم بمستقبل أفضل، مستقبل يمكن تحقيقه من خلال العمل الجاد والذكاء والإصرار، مزيج من التكنولوجيا والسياسة والأخلاق.
لكن الأمور تتغير. هناك المزيد من البرامج عن الخيال العلمى، أكثر من أى وقت مضى تجرى مقابلات مع المؤلفين الشباب، كما أن اتحاد الكتاب لديه شعبة للخيال العلمى الآن، وقد عقد عدة مؤتمرات حول الخيال العلمى والموضوعات ذات الصلة. وتضمن المؤتمر الأخير لأدب الأطفال حلقة نقاشية حول استخدام الخيال العلمى لتعليم الأطفال حب العلوم، كما تهتم الصحف أيضًا بإجراء مقابلات معنا.
عن موقع الحرف