كل من قرأ روايات نجيب محفوظ، في طبعات مختلفة لها، لا بد أن استوقفته لوحات أغلفتها، التي رسمها الفنان الكبير حلمي التوني. ليست روايات محفوظ وحدها ما رسم التوني أغلفتها، لقد فعل ذلك مع روايات إحسان عبدالقدوس، وأعمال يوسف إدريس وبعض دواوين محمود درويش. من الروايات الشهيرة التي رسم التوني غلافها، ثلاثية «غرناطة، مريم، الرحيل» لرضوى عاشور في طبعتها الأولى.
يقول النقّاد إن الغلاف عتبة الكتاب، أي كتاب، ومفتاحه. هذا ما حرص عليه التوني في مجمل الأغلفة التي رسمها، والتي زاد عددها عن أربعة آلاف غلاف كتاب، في رسوم حملت روح مصر وطبعها، ما يجعل من وصفه ب «حارس الهوية» وصفاً في محله تماماً. إن ملامح من تخيلهم في رسوماته تحمل ملامح إنسان مصر «أم طرحة وجلابية» كما وصفها أحمد فؤاد نجم في كلمات الأغنية الشهيرة التي غنّاها الشيخ إمام، وفي تصريح له قبل وفاته عبّر عن استيائه من فقدان الهوية نتيجة (السوشيال ميديا)، وبكلماته: «فقدنا جزءاً من هويتنا… الهوية هي الملامح المميزة لكل بلد، ولدينا نحن المصريين هوية مميزة».
عن 90 عاماً رحل حلمي التوني، لتغادرنا قامة فنية مبدعة تشكّل وعي صاحبها، وأفصح عن موهبته الفذة منذ أوائل خمسينات القرن الماضي، في زمنٍ مختلف، عُرف بنهضة فنية، وكان حجم الوعود المضيئة فيه كبيراً، وبتخصصه في التصوير الزيتي والتصميم والكاريكاتير، استطاع أن يكوّن بصمة خاصة به، نادرة، لا يجود بمثلها الزمن طويلاً.
وليست أغلفة الكتب وحدها ما اشتهر به التوني، فهو أيضاً مصمم «أفيشات» لأفلام مصرية عدة، كما اشتهر بشخصيات مميزة في رسوماته المأخوذة من الثيمات الشعبية المصرية، كما قدم تلك الرسومات على المجلات، مثل مجلة «سمير» للأطفال.
لعلّ التوني هو الفنان الوحيد الذي خصص أحد معارضه الفنية لتقديم لوحات مستوحاة من الأغاني المصرية الشعبية والقديمة، مثل «يا حلو صبّح يا حلو طُل» لمحمد قنديل، و«كعب الغزال» لمحمد رشدي، و«ست الحبايب» لفايزة أحمد، واختار من فيروز أغنيتها «زهرة المدائن»، وهو الذي عرف بدفاعه عن فلسطين وقضيتها. ومن المعارض الخاصة الأخرى التي أقامها التوني معرض بعنوان «لعب البنات وآلهة الإصلاح»، وآخر بعنوان «الحيوان».
المرأة هي الحاضر الأكبر في لوحات حلمي التوني. في هذه اللوحات تصادفنا وجوه نساء آسرات، جميلات، بعيون سوداء واسعة، محاطة برموز مصرية تنتسب إلى أزمنة مختلفة، وفي شرحه لسر اهتمامه بحضور المرأة في فنه، أوضح التوني: «لدى كل فنان مجموعة من المفردات، أهمها المرأة، وأعتبر نفسي نصير المرأة. أنظر إليها نظرة عطف وإعجاب في نفس الوقت، ورغم الإنصاف فهي تعامل كأنها أقلية».
المصدر: صحيفة الخليج