قراءة في المجموعة قصصية سأشتري حلمًا بلا ثقوبل د عبير خالد يحيي
الغلاف للفنانة الجميلة والصديقة لبنى ياسين، ويمثل شابة ما تضع وجهها على كفها مغمضة الأعين، ربما هي نائمة تحلم، أو ربما هي في حالة أحلام يقظة، ومن شعرها ثم حولها تظهر ألوان ورموز .. ربما هي أحداث الحلم..
والعنوان به لمحة وكأنها أنسنت الحلم وألبسته ثوبًا جديدًا بلا ثقوب..
ومن الخلف كتبت عبير كلمات شجية من قصة “جبر حلم” فيها تبحث عن حلم يسع الجميع، خال من الثقوب حتى لا يسقط من إحدى تلك الثقوب بعض الأحبة..
فمن هم الجميع؟ أسرتها الصغيرة أو الكبيرة؟ مجتمعها؟ أم العالم بأسره؟
تضع الكاتبة تصدير بفقرات صغيرة لأربعة من الأدباء، وكلها تتحدث عن الأحلام والطموح والواقع والخيال..
ثم تضع كلمة شكر وامتنان للفنانة لبنى ياسين على لوحة الغلاف التي أعجبت د عبير فأهدتها لها الفنانة..
المجموعة عبارة عن أربعة أقسام، القسم
الأول بعنوان “الأحلام”، وبه خمسة عشر قصة، الثاني “السخرية”، وبه ست قصص، الثالث “الرسائل”، وبه خمس قصص، أما القسم الرابع والأخير “المواقف”، وبه أربع قصص، المجموعة بأكملها لغتها عربية فصيحة، تتميز بالتعبيرات الشاعرية، والبلاغية المحببة للنفس رغم حزن أغلب القصص..
تبدأ الكاتبة مجموعتها بقصة بعنوان “تشابك حلمي”، وفيها تحكي الكاتبة عن مطارد يفر من مباغتة الشرطة له، وضابط هذه المأمورية وتنتهي بنهاية مفاجأة للغاية..
أما “صحوة” و”وديعة” وغيرها من قصص القسم نرى فيهم كذلك الدهشة والنهايات المباغتة..
تسرد الكاتبة الأحداث التي وقعت وتقع حتى يومنا هذا في سوريا بروح شفيفة حزينة تتساءل حتام هذا الدمار؟
ونراها في قصة “البديل” وبعد انفجار سوق الخضار تقول:
“الغريب أن الخضروات في سوق الخضار لم تتضرر، فقط تبعثرت..! وكأن القذيفة تنتقي طعامها، جوعها لا يشبعه الخضار، وإنما يشبعها لحوم بشرية، ودماء تشربها، وتكاد
لا ترويها”..
قصة “طفل التوحد” جميلة جميلة، نجد فيها الأم تناضل من أجل تعليم ابنها والخال يضع اللوحة والألوان بين يدي ابن اخته حتى تفوق وأصبح ناجحًا يمني نفسه بعبقرية أينشتاين..
وفي قصة “جرح لم يندمل ما أجمل التعبير حين تقول:
“كنت أنظر إلى سحجات الطفولة وكأنها وشم غجري جميل، أحصيها كل ليلة قبل النوم، لكن جروح الحياة لا تلتئم بالكامل، وتنز كلما عضتنا الذكريات”..
الحرب والتهجير قمة الشجن وهادهي في قصة “تايتانيك” تقول:
“حين تفقد المرأة عمود بيتها، يهرب ظلها، وقد يختفي في عتمة الحزن، فالظل يحب الشمس، ويختال بحضورها”
أنسنت الكاتبة كلبًا يتحدث مع ضميره في قصة “لأصبح الصحر مثقالًا بدينار” وهي قصة ساخرة موجعة عن كلب حلم بأنه أصبح إنسان، ومدى فرحته أن ما مر به كان حلمًا، فالبشر يحملون قسوة وشر وصفات لا يطيقهم..
ومن السخرية أن من تسبب في ضربه على كل أفكاره وعوائه كان من هؤلاء البشر..
تنتهي مجموعة القسم الأول الذي حوى الحلم والأحلام لنبدأ القسم الثاني الخاص بالسخرية، من سخرية المرآة، إلى سخرية الأثاث، والأدوات الكهربائية في المنزل، حتى سرير الطفلة سخر منها حينما كبرت ولم تعد تستطيع الاختباء أسفله، إلى تفاحة أكلتها الكاتبة وهي تبدع لنا قصصًا، انتهاء بألعاب الهاتف المحمول، مجموعة تسخر من نفسه..
تصل بنا الكاتبة لقسم الرسائل، وفيه رسالة جميلة وحنونة إلى سنا ابنة الكاتبة في عيدها العشرين، ثم عدة رسائل أخرىنيام مليئة بصور بلاغية ومقارنات رائعة..
وفي النهاية نصل لقسم المواقف، آخر أقسام المجموعة. وفي هذا القسم سردت لنا د عبير مواقف إنسانية وبذور خير كما كتبت، وأن الخير باق مهما طال شر الحرب..
ختمت الكاتبة المجموعة بقصة تثبت لنا أن روح عبير يحيى روح طفلة مرحة لا زالت تختبئ بأسفل سريرها هربًا من عقاب أمها، وإن كانت اليوم في هيئة وثياب سيدة لطيفة..
مجموعة قصصية بتفاصيل صغيرة وبروح فلسفية كبيرة تفتش في جوانب النفس لتصقل فيها جوانب الخير، وتمحو جوانب الشر، وتجذب القارئ معها للتفكير..
شكرًا عبير يحيى على هذه المجموعة، مع تمنياتي لك بدوام التميز والإبداع..