“أَزرار” رقم 1348 هنري زغيب
المصدر “النهار”
الجمعة 24 كانون الثاني 2025
يوم غادرَتْ بيروت كانت تحمل منها عبَقًا من الشعر نما معها منذ الطفولة محاولاتٍ كتابيةً تُلقيها في احتفال نهاية السنة المدرسية. واختصاصُها لاحقًا في البيولوجيا (ماجستر من الجامعة الأَميركية) وتدريسُها العلومَ لم يُبعداها عن عالَمها الأَحَبّ: الكتابة، زاوَلَتْها أُسبوعيًّا في مجلة La Revue du Liban، وأَكاديميًّا في أُطروحة جامعية عن شِعر ناديا تويني.
هذا الزادُ الوفير من الشعر رافقَها حين غادرَت بيروت (1998) مع زوجها الإِيطالي لتستقرَّ في نابولي، وتُواصلَ تحصيلَها الأَكاديمي، اطِّلابًا ثم تدريسًا، في اللغة الفرنسية وآدابها، وتُزاول حرفةَ جدِّها في صَوغ المجوهرات. لكنَّ الشعر ظلَّ فارسَها الأَبيض: أَصدرَت في منشورات “دار النهار” مجموعتها الشعرية الفرنسية الأُولى “زهرة الملح” (2013)، وفي إِيطاليا بعد ثماني سنوات مجموعتَها الفرنسية الثانية NUSA (2021)، ثم أَصدرَت مجموعتَين بالإِيطالية (“قطرة الندى” 2020 و”سَوَاد الحمَم” 2023).
وكانت سنة 2024 تتويجَ مسيرتها الشعرية بنيلها إِحدى أَهم الجوائز الأَدبية في إِيطاليا: “لورِنْتوم دانتِه أَليغييري”، تسلَّمَتْها من رئيس لجنة الجائزة الشاعر الإِيطالي دافيديو راندوني. وهي جائزة شَرَفيَّة كبرى “تكافئُ مَن يُسهمُون في نشْر الثقافة والفنُون والقيَم الإِنسانية”. أَسسها سنة 1982 “مركز لورِنْتوم الثقافي” لـ”إِطلاق حدَثٍ في عالم الشعر وحُب الثقافة وتبادُل المواضيع الشعرية والنثرية”. واليوم، بعد 43 سنة على إِطلاقها، أَصبحَتْ من أَهم الجوائز الكبرى في إِيطاليا على الإِطلاق، يتقدَّم لها سنويًّا في جميع فروعها مشاركون من كل العالم. وكان فرعُها “لورنتوم دانتِه أَلغييري” أُنشئَ سنة 2011 “مكافِـئًا شاعرًا أَسهَمَ في تَقدُّم مسيرة الشعر المعاصر”.
في براءة الجائزة إِلى ندى سكاف جاء: “قصائدُها تبتعد عن التيارات الرائجة لتقارب المدى بين الواقع والمطلَق، طالعةً من منابع عدَّة، بينها أُصولُها اللبنانية، وحياتُها في إِيطاليا، وتعدُّديَّتُها اللغوية، ما يجعل شعرها نقطةَ تَلاقٍ حضارية، ويجعل مَن تحمل الجائزةُ اسمَه (الشاعر الخالد دانته أَليغييري) يغتبط أَن تنالها باسمِهِ شاعرةٌ موهوبةٌ من لبنان”.
ندى سكاف: شكرًا على مَن أَنتِ، وتهنئةً على استحقاقكِ هذه الجائزةَ العالَمية، تَضَعين بها لبنانَ من جديدٍ على خارطة الشعر العالَمي. وهنا، مني، ترجمةُ قصيدَتكِ “النجمة” من مجموعتك NUSA:
“حبيبي… يا حُبِّيَ النيزَك:
قُلْ لهم أَنْ على قُبَّة الـمَشرق
ما زالت تلتمع نجمةُ الراعي
والرعيان خارج الأَديار
يُغطُّون أَكتافهم بالرُقَع…
سوداءُ هي الحمْلان في الليل
لكنَّ القديسين
دومًا في الأَخضر اللمَّاع…
يا حُبِّي
نسينا نقاءَ الماء على الحافة
نسينا طعمَ التمْر والرمان
وأُنشودةَ القدَر البعيدةَ
الـمُبَشِّرة بصباحات الغرب..
على أَطراف كفيكَ
أَرى أَسلاكَ حزني الشائكة!
يا حُبِّي
داعِبْ هذه البَشَرَة المجعَّدة
تُخفي الـمسالكَ في ثناياها
فالسنواتُ أَنهارٌ وفيرةٌ
وكلُّ قياسٍ باطلٌ في النهر
لأَنَّ الزمن
سيذيبُ كلَّ توقيتٍ
حين تَغْمُرُنا وَسَاعةُ البحر…”.