
خطر لي اليوم أن أكتب عن ناقد امتلك الأدوات الكافية والمعرفة ذات المرجعية الأكاديمية ، والقدرات اللغوية والأدبية، وملكة الحوار، لمهمة النقد الأدبي ، حيث سيكون حديثنا عن الأستاذ الدكتور جمال محمد المقابلة ، أُستاذ اللغة العربية وأدآبها في الجامعة الهاشمية في الأردن ، ولن أكتب عنه هنا في عموم سيرته النقدية أو العلمية، إنما سأكتب عن جلسة أو ندوة حوارية تحدث بها الأستاذ الدكتور مُقَدِماً ونَاقِداً للديوان الشعري ” وردة قلب ” للشاعر والدبلوماسي ” السفير ” إبراهيم عواودة الصادر سنة ٢٠٢٣ ..
لقد كان اختياراً موفقاً أن يكون الأستاذ الدكتور المقابلة من يتحدث عن سعادة السفير الشاعر إبراهيم عواودة ، وهو الذي تربطه به عدة علاقات ؛ فهو إبن قريته ، وتربطه به صلة قُربىٰ وصداقة ونسب ، وعلاقتهما معاً تمتد إلى ريعان الشباب ..
لمن لا يعرف الأستاذ الدكتور جمال مقابلة ؛ فهو أُردني ، ينتمي إلى عشيرة ” المقابلة ” نسباً ، ولد سنة ١٩٦٢ في محافظة إربد في قرية صغيرة إسمها ” قُمَيم “، حيث تلقى تعليمه المدرسي في مدرسة قريته ، والتحق بجامعة اليرموك لنيل شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، ومن ثم التحق بالجامعة الأردنية ليحصل على شهادة الدكتوراه ، عمل مدرساً للغة العربية في مدارس وزارة التربية والتعليم، ثم عمل أستاذاً للغة العربية في عدة جامعات أردنية وعربية، واستقر به الحال في الجامعة الهاشمية في مدينة الزرقاء الأردنية ، كما عمل المقابلة مقيِّماً ونَاقِداً في مسابقة ” البابطين ” للشعر الفصيح على مستوى الوطن العربي ..
وفي حديثنا عن الندوة التي شارك فيها الأستاذ المقابلة ، والتي أُقيمت على الفضاء الإلكتروني ، في ” الغرفة ١٩ ” الإلكترونية ، يوم الإثنين الرابع والعشرين من فبراير ” شباط ” ٢٠٢٥ ، والتي تناولت الحديث عن ديوان ” وردة قلب ” للشاعر والدبلوماسي الأردني إبراهيم عواودة، وبإدارة الأستاذة إخلاص فرنسيس من كاليفورنيا، سان دييغو ، وشارك في الندوة كل من الأستاذ الدكتور سيَّار الجميل، من كندا، والدكتور والشاعر جميل دَاري، من سوريا، والأستاذ الدكتور عبدالرحيم مراشدة، من الأردن ..
بداية الحديث ، شكر الأستاذ الدكتور جمال مقابلة القائمين على ” غرفة ١٩ ” ممثلة برئيستها الأستاذة إخلاص فرنسيس ، والتي لا تتوانىٰ دائما عن تقديم اللقاءات والوقت الماتع الذي يجتمع فيه ثلة من المثقفين ، على بُعد الشُّقَة ، من المتفرقين في أقطار العالم، ولا نقول العالم العربي فقط ، وإنما منجمون على كل بلدان العالم ..
كما رحب الأستاذ المقابلة بالكوكبة والثلة من الحضور والمشاركين الكرام في هذا اللقاء الخاص، الذي يُحتَفىٰ فيه بالشاعر والدبلوماسي السفير إبراهيم عواودة ..
افتتح المتكلم المقابلة بأن حديثه عن سعادة السفير مشوب بكثير من المشاعر والعواطف لقرب المسافة بينهما ، فهو كما أسلفنا إبن قريته ، وذو قربىٰ ونسب وخُلَّة ، ورفقة منذ زمن بعيد، مشيراً إلى ان الشاعر يكبره بخمسة أعوام ..

تحدث المقابلة عن الذكريات التي تجمعه بالشاعر العواودة، فيعود إلى بداياته الجامعية في جامعة اليرموك، وكان الشاعر العواودة قد أكمل المرحلة الجامعية الأولى من ” باكستان ” وعاد إلى الأردن، وكان لم يلتحق بالسلك الدبلوماسي بعد، فكانت بينهما ليال، يلقي فيها الشاعر شعره، ويأخذ المقابلة دور المتلقي الشغوف، الدارس للغة والأدب، وفي حينها انتُدب الشاعر إبراهيم، أو تقدم بطلب للعمل في إذاعة الـ ” بي بي سي ” ( BBC ) ، ونجح بالمسابقة، وكاد أن يصبح مذيعا ، لكن يبدو أنَّ الخارجية الأردنية استأثرت به، وأصبح أحد شخصيات السلك الدبلوماسي الأردني في بداية ثمانينيات القرن الماضي ..
لذلك حديث المقابلة عن الشاعر العواودة هو حديث ذكريات، ذكريات الصديق والقريب، ذكريات القرية، ذكريات التفاعل بين طالب مبتدئ في دراسة الادب، وطالب أكبر سنَّاً، والذي أصبح شاعراً فذَّاً فيما بعد، ويذكر المقابلة في الندوة أنَّ شاعرنا هو عازف عود من الطراز الرفيع، وبحكم وظيفته الدبلوماسية ربَّما حُرم من ممارسة بعض هواياته ..

وعندما يتحدث الدكتور عن الشاعر العواودة، ورحلته المُؤزرة والنتاجات ، يشير إلى أن إبراهيم استطاع أن يتمكن من أدواته ، أدوات الشعر ، وهو مدين في البدايات إلى الدكتور والشاعر محمود الشلبي، الذِّي كان يتغنى بقرية ” قميم ” عندما كان مدرساً في مدرستها، وقد احتفىٰ الشلبي بموهبة إبراهيم في مرحلة المدرسة ..
تحدث المقابلة عن تجربة سعادة إبراهيم العواودة الشعرية في سياق الأكاديميا، حيث تقدمت السيدة عطاف بني فواز ، وهي حاضرة هذه الندوة، برسالة ماجستير موسومة بـ ” الإتجاه الإنساني في شعر إبراهيم عواودة ” ، وكان المشرف على تلك الدراسة الأستاذ الدكتور عبدالرحيم مراشدة، وهو أيضاً مشارك في هذه الندوة، كما أسلفنا ، حيث استطاعت بني فواز بدراستها تلك أن تضع الشاعر العواودة في سياق الدراسات الأكاديمية، مما جعل الدكتور المقابلة يشعر بالفخر أنَّ سعادة السفير إبراهيم عواودة أصبح له هذا الحضور في السياق الأكاديمي، وهو في عرفنا رجل دبلوماسي، ليس له كبير رجاء أن يكون من الشعراء المعدودين في هذا السياق لولا أن تكون تجربته بهذا المستوى من السمو والرفعة …
والجانب الذي اختارته السيدة بني فواز هو ” الجانب الإنساني ” ، ونحاول أن نمرَّ سريعا على التجربة الشعرية، فدعونا نتذكر العناوين الثلاثة لدواوين الشاعر العواودة وهي:
” قلب على ورق ” ١٩٨٥
” روح حائرة ” ٢٠٠٧
” وردة قلب ” ٢٠٢٣
لنلاحظ أنَّ كلمة ” قَلب ” وردت مرتين ، في العناوين ، وبعدها كلمة ” رُوح “، فالشاعر إبراهيم العواودة يتبختر بين القلب والروح ..
ويكمل الأستاذ الدكتور جمال المقابلة حديثه عن الشاعر الدبلوماسي السفير إبراهيم عواودة ، فيقول: ” إبراهيم يعيش حالة الراحل، حالة السفير، حالة المرتحل عبر الآفاق، مرتحل عبر الثقافات، ولا بدَّ ان ننوه إلى تجربته، أو قدرته على أن يكون شخصا ناطقاً بالإنجليزية وكاتباً للشعر بها ، ليس مترجماً له، فإبراهيم ينظُم الشِعر بالإنحليزية بإحترافية، وكان قد أتقن الإنجليزية مذ أن كان يافعاً، وكذلك استطاع أن يمتلك الفرنسية والإسبانية، والعربية التي هي لغته الأم، التي هي سليقة ونمَّاءة .. “
وقد أشار الأستاذ المقابلة إلى سعادة السفير للإستماع إلى بعض القصائد التي عبَّر فيها عن كينونته كـ دبلوماسي من جه ، عربي، أردني، فلسطيني، إنسان، وفي اللقاء الأخير ، بعد أن ختم رحلته في عالم الدبلوماسية ، وكان أن انتُدب وفي أكثر من سياق، وربَّما كان عميد السلك الدبلوماسي في بعض الدول، في تشيلي، في جنوب افريقيا، فعندما احتفى به السفراء هناك ليودعهم، كتب قصيدة، نحب ان نستمع إليها من ناظمها نفسه، عنوانها ” قلب عربي ” يقول فيها:
قَلبٌ عَرَبي ..
قلب سقاه المجد في عَمَّان
حُبَّاً يُرَدِّدُهُ بكُلِّ مكان
لعُروبة رسخت كما زيتونة
شرقية، قُدْسِيَّةُ الوجدان
فنَمَا هَواهُ في ظلال فروعها
صرحاً بَهِياً، راسخ الأركان
وغَدَتْ حبيبته التي يشدو لها
عَذْبَ القَصيد، ورائق الألحان
وله بها من ماء مشرقها الأبي
لماء مغربها العظيم الشان
قلب دعائمه النخيل، ونُسْغُهُ
مسك التراب، ولَذَّة الإيمان
مِنْ نُورِ مكَّةَ فيه عطر عابق
مِنْ نَوْرِ تُونس فيه عطر ثان
غَنَّى الجزائر والعراق محبةً
وشدا لمجد الأرز في لبنان
صَلَّى، وصام عن الشقاق عقيدة
وتلا بأرض القُدْسِ سَبْعَ مَثانِ
ويمامه فوقَ الشَّامِ رَفِيفُهُ
ونداه نيل، والغرام يماني
هِيَ أُمَّةٌ فيها المكارم صِبْغَةً
تجني الغلا بالعزم والإحسان
منصورة بِاللهِ رغمَ تَجَهُم
الأنواء، رغم تَبَدُّل الأزمان
فإذا كنت قامت، وقد يَتَعَثَرُ
الفرسان أهْلُ السبق في الميدان
لمَّا يَزَلْ ذا القلب موفور الرجاء
كمُرْنَةٍ ثَقُلَتْ بِغَيْث دان
لا غَرْوَ أَنْ غَنَّى وقال مُفاخراً
إني أنا العربي من عدنان

( شعر ابراهيم عواودة بريتوريا ، ١٥ تشرين الثاني ۲۰۲۲ )
ويعود الأستاذ الدكتور المقابلة ليقول أنه لا يريد أن يستأثر كثيراً بالحديث عن الشاعر والدبلوماسي إبراهيم عواودة في هذا اللقاء، وأنه سيكتفي بإشارات سريعة ويترك المجال للأخوة المشاركين جميعاً ..

وعَودٌ على ذي بدء، يذكر المقابلة أن منطلقات إبراهيم العواودة تجعله شاعراً في مصَّاف الشعراء الدبلوماسيين الذين حَفِلَت بهم اللغة العربية بعصرها الحديث، وبقامات شهيرة يذكر منهم مثلاً: الشاعر الكبير عبدالمنعم الرفاعي، نزار قباني، عمر أبو ريشة، ويجمع بين هؤلاء العمل الدبلوماسي، وبالتالي هم أصحاب النقاء اللغوي والأناقة ..
ويضيف الأستاذ المقابلة أنه مهما حاولنا أن نبحث في شعر إبراهيم العواودة فلن نجد إلا المسائل التي تتركز في الإحساس بالذات، ليس بذات مُفتَخِرة مُنتَفِخَة، إنما ذاتٌ حساسة في تعاملها مع الاخرين ، وهذا تصنعه أحيانا الوظيفة ، وقليلة هي الوظائف التي يمكن أن تفرض على الإنسان ان يكون ذا سمتٍ إنساني مُبَالغٍ فيه ، وهذا العمل ، ديوان ” وردة قلب “، له صدى، فالشاعر إبراهيم العواودة شخصية فيها هذا البُعد الدبلوماسي، وهذه الأناقة في التعامل، وجدناها في قصائده، ووجدناها في حياته العملية والخاصة ..
شاءت الأقدار أن يكون إبراهيم عواودة إبن الحاج محمد سليمان العواودة، الذي كان أحد أفراد القوات المسلحة الأردنية في القدس قبل النكسة، نكسة فلسطين أو العرب، فالشاعر إبراهيم عواودة مولود في مدينة القدس، ويعود إلى فلسطين دبلوماسياً ممثلا للأردن، فيعيش في غزةَ خمس سنوات، لذا عندما نجد عدد من قصائد العواودة في غزة، وفي القدس، فهو لا يتكلم الكلام الذي يحب أن يتكلم فيه كلُّ العرب وكلُّ المسلمين وكلُّ الفلسطينين، إنما هو يتكلم عن مكان ولد فيه، ومن ثم ذهب ليعمل فيه ممثلاً لبلده الأردن، الذي كان بينه وبين فلسطين وحدة امتدت من عام ١٩٥٨ إلى عام ١٩٨٨ ..
إذن ، عندما نقرأ علينا أن نتأكد أن ما يقوله إبراهيم يقوله من منطلقات ذاتية إنسانية صادقة ، وأَحبَّ المقابلة أن ينوه بأنَّ كثير من قصائد الديوان الذي بين أيدينا فيها إشارات إلى غزة وفلسطين، إلى القدس، وكذلك إلى ” قميم ” التي هي قرية الشاعر ، وإلى بريتوريا وتشيلي ، بمعنى أنَّ إبراهيم إنسان يَألَف ويُؤلف، وبالتالي تصبح هذه المدن ساكنة في نفسه كما سكنها هو ..
خلاصة القول من حديث الأستاذ الدكتور جمال مقابلة كـ نَاقِد وَمُدرِّس للغة والأدب، بدأ بالترحيب والشكر للحاضرين ، وتحدث عن نفسه وعلاقته بالشاعر والدبلوماسي إبراهيم عواودة، وتحدث عن ذكريات جمعته بالشاعر ، ثم تحدث عن الشاعر ومراحل مفصلية في حياة الشاعر ، وحياته الدبلوماسية المهنية ، ثم عاد ليتحدث عن البدايات الشعرية لسعادة إبراهيم عواودة ومنطلقاته، وكيف تمكن من أدواته ..
تحدث أيضا عن دخول الشاعر في السياق الأكاديمي عن طريق دراسة أعدت للحصول على شهادة الماجستير ، وقدم نموذجا من شعر إبراهيم عواودة، قصيدة ” قلب عربي “، وعرَّج المقابلة على كيفية تأثر الشاعر والكاتب بمجاله الوظيفي، ونوه كذلك إلى ارتباط الشاعر بأرض فلسطين وغزة، وأنهى حديثه بوصف الشاعر كإنسان ومشاعر وأحاسيس ظهرت من خلال قصائد ديوانه ” وردة قلب ” ..
( عماد عواودة ، ابو حازم
(الخميس ٢٧ فبراير ٢٠٢٥ ، قميم )
