الزمّاط يسمونه ” أبو الحاحات” !
بقلم : سيّار الجميل
معنى الزمّاطين :
أحببت أن استخدم هذه الكلمة ومفردها ( زمّاط ) بلغة أهل مدينة الموصل او يسمونه ” أبو الحاحات”، وعذرا لاستخدامها ، ولكنني وجدت أنها اقرب لوصف بعض من يتكاثر اليوم من حكائين وقوالين من متطفلين ودجالين ومفذلكين ليس لهم الا اللغو وصنع الاكاذيب ، ودعوني لا استخدم هنا مفردة ( الكلاوجية : جمع كلاوجي) المستخدمة في بغداد . وعذرا عن ذلك لأن كلا من المفردتين متدنيتين في التوصيف الأدبي والتحليل المعرفي وأخلاق العلماء ، ولكن للضرورة أحكام ذلك أن ” الزَمّاط وتجمع بـ زمّاطين” هي الأقرب وصفا لما أجده اليوم من نماذج ابتلي بهم المجتمع العراقي ابتلاء صعباً .. ولم أجد أصلا عربيا لـ ” زمط ” يزمط ” ولعلها من تخريجات أهل الموصل بامالاتهم واحالاتهم اللغوية .. وقد وجدتها بغير معناها عند اللبنانيين والسوريين فمن ” يزمط” ينفذ بجلده ويهرب بحنكة وذكاء .. ويقال زَمّطتْ؛ أي سقّعت سقّعنا وشعرت بالبرد القارس. فالزميط هو “السقيع” وهي المفردة التي يستخدمها اهل الموصل لمن يتصف بالسقاعة ( أي : التفاهة) .. ويقول أهل عدن في أمثالهم زُمَّاطَة ماتِزَمّط ) للإستهتار أو للإستخفاف بشخص ما يتَلفَّظ بكلمات تهديدية وهو لا يستطيع تنفيذ تهديده . أما في الجزائر، فيطلقون ( زمّيطة ) على (…. ) الانسان ، وهي كلمة بذيئة ولا تقال إلا على سبيل السباب ( كذا) ! . أما أبو الحاحات ، فهو صانع الحكايات الكاذبة .. فيقول أهل الموصل : ” هذا حاحاته طويلة .. ” !
الزمّاطون في العراق:
كثر الزمّاطون في العراق بشكلٍ لا يتخيّلهُ أحد من العقلاء والعقلاء كثيرون .. والزمط أشبه بالثرثرة الكاذبة التي لا يكفّ صاحبها من نزقهِ ولغوهِ وتمجيد ذاتهِ واستعراض بطولاته ، فالزّماط ، كذاب أشر يخدع الناس ويقتنع باكاذيبه، ولكن يكشفه الأذكياء منذ بدء كلامه وهو يختلق المعلومات من فراغ، بذكاء كما يتخيّل وبكل غباء لدى من يسمعه، ويرويها بلا حياء ويثير الاهتمام عند البعض والسخرية عند آخرين ، وهو لا يتوّقف عن زمطهِ أبداً، بل وباستطاعته أن يروي لك قصة مفبركة كاملة ويتقلّب في شأنها كي يجعل من نفسهِ بطلاً ولكن من ورق .. وان حاولت أن تثيره بتصويب أو سؤال ينقلب عليك وحشاَ كاسراً ببذاءته وسوء تشبيهاته عنك كونه لا يمتلك الوسيلة والاداة والمعرفة والاخلاق لاثبات ما يقول .. وهو نرجسي الى أبعد ما يكون وباستطاعتهِ أن يلوي الحقائق ، ويجد الفرصة لكي يبيع الناس كلامه بمعزل عن القرائن والشهود ..
كثر هؤلاء اليوم بدرجة لا تستطيع أن تلاحقهم وتتمتع باكاذيبهم وفذلكاتهم ولغة جسدهم وحركات ايديهم وحيلة نظراتهم المخاتلة .. ومن سوء طالع العرب ان بعض الاعلاميين العرب من هذا النوع وتعرفون من كان أكبرهم( زمطاً ) في القرن العشرين ! ولدينا في العراق اليوم قوافل من الزماطّين والكلاوجية، وكثيراً ما أجدهم وهم يدلون بشهاداتهم التاريخية أو لقاءاتهم التلفزيونية ، فهم لم يقتصروا على الملالي الدجالين والحلاقين المثرثين ، بل أجدهم في شخصيات كبيرة السن من اعلاميين وصحفيين وضباط وأطباء وأكاديميين وسياسيين حزبيين من ليبراليين وقوميين وراديكاليين.. وآخرين من كلّ الالوان.. يستضيفونهم في برامج تلفزيونية واستمع اليهم للمتعة ليس الا ، كما كان القدماء يتمتعون بأمثال هؤلاء في المقاهي والمجالس الأدبية .
نماذج معروفة من الزمّاطين العراقيين :
دعوني اقف عند خمسة زماطين ولدي مستمسكات على ادعاءاتهم من هذا النوع :
أولا : شهادات صادقة لبعضهم وشهادت كاذبة ومزوّرة لآخرين !
وانا اشهد بين حين وحين واستمع لما حكاه هذا او ذاك من كبار السن ، فاغتاظ جدا عندما أجد ما يقوله هذا من اكاذيب مفضوحة يصدقها الناس ، وما يسجله ذاك من ادعاءات او تزويرات وقد تحققت من اخبارها فكانت مزورة لا وجود لها أبداً ! أجد طبيبا مختصاً شهيراً يكذب صراحة وعلنا بلا وازع حياء كذبات لم تقع ابدا ابدا، فلم يحدّثه ايزنهاور عن أية أسرار عن العراق ، ولم يقم باجراء أية عملية جراحية للفنان عبد الحليم حافظ ! وآخر يدّ‘عي بأنه ردّ رداً قوّياً وحاسماً على صدام حسين الذي خرس أمامه في احد الاجتماعات وراح يستعرض بطولاته ضد صدام حسين وقد ردّ عليه أحدهم ، وكنت حاضرا المشهد ، قائلاً له ” أنت جذّاب بعينك ” !! وهكذا مع آخرين يكذبون ويكذبون طمعاً ببطولة او صنع مجد مزيّف له على عكس عراقيين آخرين لهم شهادات موثوقة ! الكذاب يعرف من كذبة واحدة ، فان التقطت واحدة عنه، فلا يمكن الوثوق بكلامه أبداً .
ثانيا : رئيس أعظم دولة في العالم يخبره بأسرار ما سيفعله !!
عجبت من شخص تمتعني تشخيصاته فهو مشخصاتي من الدرجة الاولى كذاك الذي أسموه بـ ” الحلاق الثرثار ” .. يدّعي انه رجل قانون ولا ندري ان كان كذلك أم لا ، ما يضحك الناس تشبيهاته الارتجالية، فهو حكواتي بلغة متردية وفجّة وتهريجية يكثر فيها الابتذال والمخاتلة والأنوية عنده قد بلغت عنان السماء .. انتظرت وعده بسقوط نظام الحكم في العراق قبل نهاية 2024 ، وكنت ساخراً ، وما كنت يا عزيزي بحاجة الى حلف اليمين الغليظة وتستحضر الشرف والرجولة كي يصدقك الناس، ومرّ العام 2024 ولم يسقط النظام . فكيف نصّدق أن رئيس أعظم دولة في العالم – كما قلت مؤخرا – بأنه كان مصدر معلوماتك ؟ ماذا تقولون في هذا السياسي العراقي الذي يحلم بحكم العراق !؟ وكيف سيكون العراق تحت حكمه ؟
ثالثا : أنا .. أنا ..,أنا الأنوية وصلت عنده الى عنان السماء !
الاحمق من يصّر على خطئه، ويبقى هكذا لا تغيره الازمان والأكوان.. اتصلت مرة قبل عشرين عاماً بمدير محطة فضائية عربية بائسة تبثّ من لندن اسمها ( المستقلة ) وكنت اعرف صاحبها التونسي واخبرته بأن المعلومة التي ذكرها ضيفكم العراقي خاطئة، فالتفت اليه مباشرة لينقل له ما يقوله (فلان) وتصويبه بأن المقصود هي مدينة حصن كيفا وليس كما قلت قضاء تلكيف قرب الموصل، فامتعض ذلك الضيف وأدار وجهه وغير موضوعه ! وقبل ايام كنت أرقب لقاء في التلفزيون معه ، فاعاد الخطأ نفسه ثانية مع خلطه بين المدينتين ناهيكم عن أخطاء أخرى لا أحد يوقفه عن تكرارها كونه يمتلك قدراً من حماقة وأكاذيب وسلاطة لسان وهو عجينة مازوشية ونرجسية لا حدود لها ومن ( “حاحاته” أي اكاذيبه بالمصلاوية) ان مؤلفاته يبيعها بالملايين من الدولارات – كما يدعي – ! وهو الآقرب الى زعماء العراق وهو الذي يستشيره العظماء ؛ فكيف يكون ألبهتان ؟ !
رابعا: سلاح المعتوهين ازاء اسرائيل
أرسل لي أحد الآصدقاء على الواتساب فيديو عن رجل دين معمم بعمامة سوداء ولحية طويلة ومحابس كبيرة وامامه حشد كبير من الناس والشباب ، وهو يخطب فيهم بصوت أجش ( وقد تابعت صحة الفيديو ان لا يكون مفبركا ، فثبتت صحته ) كان يتحدث عن حرب اسرائيل ضد ايران ، فقال بأننا لا نحتاج الى الطائرات والدبابات والصواريخ أبدا ، اذ سنحاربهم ب ” التفال” اذ لو تفل كلّ منا على اسرائيل وذهب ، وبال عليها بولة واحدة فانها ستغرق لا محالة من البصاق ( وقالها التفال بالعراقي ) ومن فيضان الأبوال ستغرق اسرائيل !! بالله عليكم ، ابهذه العقليات نواجه تحديات العالم ؟؟ وهل تعتبون على العقلاء لماذا يصيبهم القرف والاشمئزاز والعزلة ؟ الا نحتاج الى مئات المستشفيات واستحضار المئات من اطباء مثل جاك عبود لمعالجة هؤلاء المجانين ؟
خامسا: صلاح الدين الأيوبي زعيما كرديا باجماع المؤرخين القدماء والمحدثين وكبار المستشرقين
يعجبني منذ طفولتي مبدأ ” الامانة ” و” الصدق ” لدى الكرد ، فان قال الكردي فصدقه، وان وعد لم يخلف وعده ، وان أحب لن يكره أبدا .. ولم استغرب من ايقافهم اليوم دعوة الاستاذ يوسف زيدان من مصر الى معرض اربيل للكتاب كأحد الضيوف ، وكان الرجل متلهفاً لتلك الضيافة التي اعتاد عليها من العراقيين .. ولكن جاء رفضه قبل اعلان انسحابه ليعلن أن ” شرزمة ” ( كما كتبها ) عارضت وجوده في كردستان ( شرزمة يا عزيزي يوسف؟؟) . هنا تذكرت صلاح الدين الأيوبي الذي جعله الاستاذ يوسف زعيماً حقيراً ” وقد انتقدته على ذلك نقدا مبرحاً قبل سنين .. واليوم يصرّ زيدان على أنّ صلاح الدين ليس كردياً مخالفاً كلّ ما جاء به المؤرخون من الأوّلين والآخرين وما اعتمده كلّ المستشرقين الكبار أمثال: ستانلي لين بول والسير هاملتون جب وستيفن رنسيمان ولايونز واستاذي ديفيد جاكسون وغيرهم وخالف كل ما شاع عبر الازمنة بلا أسانيد .. ويعتز الكرد بالزعيم صلاح الدين اعتزازاً كبيراً .. وحتى ان اختلف المؤرخ مع أي رمز تاريخي في الماضي والحاضر ، فلماذا التجريح ؟ لماذا اطلاق وصف الحقير؟ يا عزيزي زيدان انّ لسانك حصانك ، ان صنته صانك وان هنته هانك !
للحديث بقية
نشر يوم الاربعاء 9 ابريل / نيسان 2025 على الموقع الرسمي للدكتور سيّار الجميل .